في أيلول/ سبتمبر الماضي، قدّم المخرج المسرحي التونسي، محمد علي سعيد، عرضه الجديد تحت عنوان "عقاب جواب" المقتبس عن نص "أوسكار والسيدة الورديّة" للكاتب البلجيكي الفرنسي إريك إيمانويل شميت، الذي قدّمه أكثر من مخرج عربي مؤخراً.
يعاد عرض العمل عند السادسة من مساء الجمعة، السادس من الشهر المقبل، على خشبة "مسرح كورتينا" ببلدة القلعة الكبرى بالقرب من مدينة سوسة التونسية، ويشارك فيه كّل من الممثّلين ناجي القنواتي، ومريم قبودي، وحمودة بن حسين، وأُسند الإعداد الموسيقي إلى رؤوف المثلوثي، وتصميم الإضاءة إلى أمين الشورابي، والدراماتورجيا إلى معزّ حمزة.
ويحمل العرض العديد من التساؤلات الفلسفية، من خلال أحداثه التي تدور حول شخصية شابّ أنهكه مرض السرطان الذي انتشر في أنحاء جسده، وبدأ يعيش صراعاً بين بقايا أمل يتمسك به وبين يأس وإحباط من قدر محتوم.
وفي لحظة فارقة، يلتقي الشاب بسيدة تحفّزه على خوض الحياة حتى آخر نفَس، وأن لا يهدر يوماً واحداً منها، حيث تقترح عليه أن يكتب رسائل إلى الله، لتنقلب رؤيته تجاه العالم كلّه من خلال جملة مكاتيب تضمّنت تأملاته في علاقة الإنسان بالموت، وعلاقة الإنسان بالله والوجود.
ثراء النص وتعدّد دلالاته وعمق حواراته التي تميّز مسرحيات شميت، ما يفسر انجذاب المسرحيين من مختلف الثقافات لتقديمها على الخشبة، حيث ينكبّ بطل العمل على كتابة رسائل ستبقى معلقة بين السماء والأرض ولن تصل إلى عنوانها المنشود، وهنا يكمن جوهر العمل حيث يمكن النظر إلى هذه المراسلات في أكثر من مستوى وضمن أكثر من حالة شعورية؛ ما بين الفرح والغضب والحزن والإحساس بعدم جدوى الفعل نفسه أحياناً.
العمل الذي استغرق إعداده حوالي أربعة أشهر، اعتمد في إيصال رسائله على السينوغرافيا أيضاً، من خلال الإضاءة والموسيقى التي تناسب طبيعة الحالة التي يعيشها مريض يعلم خاتمته جيداً، مع التركيز على إبراز الإحساس بالرتابة والملل بسبب تكرار الأيام بالمكوث في الفراش ونوبات الألم، أو الإحساس بلحظات مفاجئة غامرة من الأمل، وكذلك الإحساس بالتعب والإرهاق والعجز.
في الرسائل، يحلم البطل بأحلام لن تتحقق لكنه يتمناها، مثل الاحتفال بعيد ميلاده والارتباط بمن يحب، ويطرح أيضاً تساؤلات حرجة حول سبب حرمانه منها، وفي المشهد الأخير يموت البطل عاري الجسد مع أنه تطهّر من عقد ورواسب الماضي من خلال الكتابة.