في الثامن والعشرين من شباط/ فبراير 1955، نفّذت قوات الاحتلال الإسرائيلي أكبر عملية لها بعد عام 1948، وكان ذلك في غزّة بعد هجمات نفّذها فدائيون فلسطينيون داخل الأراضي المحتلّة، أدّت إلى مقتل جندي إسرائيلي في مستوطنة "رحوفوت"، وكانت بدعم من الجيش المصري، حيث كان القطاع خاضعاً حينها للإدارة المصرية.
عند الثامنة والنصف من مساء ذلك اليوم، قامت وحدة مظلات تابعة لجيش العدوّ بمهاجمة معسكر عسكري مصري قرب محطة سكة الحديد في مدينة غزّة، ما أسفر عن مقتل سبعة عشر جندياً مصرياً وهُم نيام، ثمّ نصبت كميناً لقوة مصرية هرعت لنجدة جنود المعسكر، ما أدى إلى مقتل عدد آخر من الجنود، ليبلغ عدد ضحايا الجيش المصري 38 شهيداً ونحو 33 جريحاً.
أطلقت "إسرائيل" على عمليتها اسم "السهم الأسود"، والتي أتت بعد سلسلة اعتداءات واسعة شنّتها منذ عام 1953 على مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في قطاع غزّة، للحد من الهجمات الفردية التي كانت تستهدف المستوطنات الإسرائيلية المتاخمة لحدود القطاع.
بلغ عدد شهدء المجزرة ثمانية وثلاثين شهيداً ونحو ثلاثة وثلاثين جريحاً
وجاءت تلك الاعتداء في سياق مشروع سعى إلى تفكيك المخيمات وتمهيد الطريق أمام مشاريع توطين اللاجئين الفلسطينيين، والذي أيّدته الحكومة المصرية في بادئ الأمر عبر مفاوضات أجرتها سنة 1953 مع "وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأوسط" (أونروا)، لتوطين نحو 12 ألف أسرة من لاجئي قطاع غزّة على أراض في شمال غرب صحراء سيناء بدعم الولايات المتحدة، قبل أن تغيّر مصر سياساتها نحو موقفٍ رافض لكل خيارات التوطين.
في اليوم التالي للمجزرة؛ أي في الأول من آذار/ مارس 1955، انطلقت تظاهرات حاشدة من مدرسة "فلسطين الرسمية" في مدينة غزّة، بمشاركة معلّمي المدرسة وطلابها وسائقي السيارات والباصات وأصحاب الدكاكين، الذين هتفوا ضدّ التوطين، وهاجموا المقرات التابعة لهيئة الأمم المتحدة ومخازن وكالة "أونروا"، واستمرت المظاهرات أياماً عدّة.
قادت الغارة الإسرائيلية على مواقع الجيش المصري في نهاية شباط/ فبراير من ذلك العام، ثمّ اندلاع التظاهرات الشعبية احتجاجاً على مشروع التوطين، إلى تغيير جذري في الموقف السياسي المصري، بل يشير الباحثون إلى أن تحوّل تمثّل ببدء التسليح المصري لمواجهة العدوّ، وكذلك دعم العمليات الفدائية التي انطلقت من القطاع سنة 1955، وانخرط فيها المصريون والفلسطينيون سوية.
وكان العدو الصهيوني قد ارتكب قبل ذلك اعتداءات متكرّرة على غزّة، منها الهجوم على مخيم البريج في الثامن والعشرين من آب/ أغسطس 1953، والذي أوقع عشرين شهيداً ونحو اثنتين وستين إصابة. وتواصلت المجازر بعد ذلك حيث نفّذ جنود الاحتلال مذبحة في مخيم خانيونس للاجئين، في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 1956، بهدف القضاء على المقاومين بعد العدوان الثلاثي، وعقب تسعة أيام عاد جيش الاحتلال ليدخل المخيّم نفسه، في الثاني عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر 1956، ويرتكب مجزرة أُخرى ذهب ضحيّتها مئتان وخمسة وسبعون فلسطينياً جميعم من المدنيين، كما استشهد أكثر من مئة فلسطيني آخر من مخيم رفح للاجئين في اليوم ذاته.