ماكس إرنست في "ملَكي" ميلانو.. استعادة السريالية في نموذجها

03 نوفمبر 2022
"ضيوف يوم الأحد" لـ ماكس إرنست (من المعرض)
+ الخط -

صورةٌ شبه كاملة لمسار الفنّان، تجتمع فيها تفاصيل تاريخية شتّى بوصفها الخلفية المؤثّرة في عمله، من جهة، مع النتاجات التي جاءت ترجمةً حقيقية لتلك التأثيرات، من جهة أُخرى. هكذا يمكنُ وصف المعرض الواسع الذي يضمّ أكثر من 400 عمل (من بينها 80 لوحة) للتشكيلي والنحّات الألماني ماكس إرنست (1891 ــ 1976)، والذي افتُتح في الرابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وتستمرُّ فعالياتُه حتى السادس والعشرين من شباط/ فبراير 2023، في صالة "القصر الملكي" بمدينة ميلانو الإيطالية.

لا يمكن النظر إلى اشتغالات الفنان الألماني دون أن يقودنا الحديث صوب مطالع القرن العشرين، حيث احتدمت الأفكار الجديدة لعموم الحركة الفنية في أوروبا، من الشعر إلى التشكيل، وعلى وقع انهيار عالم الإمبراطوريات القديمة وانتهاء الحرب العالمية الأولى، وما يعادل ذلك فنياً من رومانسية بطيئة الإيقاع وعقلانية مؤطّرة الحدود، إذ بدا أنّ الراهن والمستقبل يبشّران بريادة السريالية، وهذا ما تعكسه الاستعادة الشاملة لإرنست الذي ارتبط اسمه بهذا التيّار الفني العريض، وشكّلت توقيعاتُه نموذجاً درسياً عنه، وإن كان قد بدأ دادائياً بكلّ ما في ذلك من تكوين يجنح إلى الفوضى التي تُدين الواقع من حولها.

تفتح التظاهرة الباب أمام مراجعة نقدية شاملة لتاريخ السريالية 

وتطبع هذه السمات الجُزءَ التأسيسي من أعماله التي يوزّعها النقاد على أربع مراحل، وقد قُسِّمَت بحسبها صالات المعرض: "الثورة الكوبرنيكية"، و"في الرؤية"، و"منزل أوبون"، و"إيروس والمجازات"، إذ تستهدفُ كلّ صالة مرحلةً من مراحل حياته، فيمكن للمتلقّي لا أن يلمّ بخيوط سيرة حياة الفنان وحسب، بل أن يستقرئ تطوّرَها أيضاً، نظراً لما تشفُّ عنه من أحداث وتواريخ وإنتاجات. ليبقى اللافت في المعرض الحالي أنّه تعدّى الوضعية الأوّلية لمهمّة عرض العمل المنتَج، سواء كان لوحة أو منحوتة أو سوى ذلك، واستحال في أحد وجوهه إلى متحفٍ يحتوي على كتيّباتٍ ومجوهرات، وملابس وصور فوتوغرافية، فضلاً عن قصاصات من صحفٍ ومجلّات ومتعلّقات أُخرى لصاحب "أوديب ملكاً" (1922).

من جهة ثانية، تستحضر هذه الاستعادة الضخمة أسئلةً نقدية مُوزاية، فالأمر لا يقتصر على تجميع كلّ هذا العدد من اللوحات والمنحوتات وحسب (استُقدمت الأعمال من متاحف ومجموعات فنّية خاصّة ومعارض من ستّ دول أوروبية هي، إضافة إلى إيطاليا، ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وبريطانيا وسويسرا)، بل إن الغاية الأساسية من الاستعادة هي المراجعة التاريخية، بعد مئة عامٍ تقريباً للحظة "المُفاصلة" (حتى هذا التوصيف فيه ما فيه من الإشكالية النقدية) التي ميّزت ما بين حركتين: الدادائية والسريالية. لحظةٌ تكثّفت في اشتغالات إرنست أكثر من غيره، خصوصاً لو تجاوزنا الحقل التشكيلي وتحدّثنا عن ممثّلي السريالية العموميين، من شعراء ومصوّرين وثوريين ومحلّلين نفسيين.

الأرشيف
التحديثات الحية
المساهمون