لوحات راكيل فورنر: الواقع تقليداً للمُتخيّل

26 يونيو 2023
من المعرض
+ الخط -

"أرسم ما أشعر به، ولا أسعى إلى الهرب من أيّ موضوع. يبدو لي أنّه أمرٌّ حتميٌّ وأنّني لا أستطيع أن أفعل ذلك، لا أستطيع الهروب. هل يمكن للواقع أن يكون تقليداً لما هو مُتخيّل، أم أنّنا نتخيّل ما هو موجود دون أن ندرك ذلك؟".

قد يلخّص هذا السؤال عُمق التجربة الإبداعية للفنانة الأرجنتينية راكيل فورنر (1902 - 1988)، والتي كانت مثالاً حيّاً لفنانة سبقت عصرها؛ ليس فقط من ناحية اللوحة واللون والعلاقات التي كانت تنسجها بين تفاصيل العوالم الفنّية التي رسمتها، بل بسببِ موضوعاتها نفسها، حيث كانت سبّاقة، في بلدٍ مثل الأرجنتين، للتعبير عن موضوعات هامّة وثورية، إلى حدّ ما، مثل العلاقة بين المرأة والجسد، والحبّ، والاكتشافات العِلمية، والفضاء. 

من المعرض
من المعرض

احتفاءً بتجربة راكيل فورنر، ينظّم "المتحف الوطني للفنون الجميلة" في بوينس آيرس معرض "راكيل فورنر: اكتشافات فضائية 1957 - 1987"، والذي يجمع أكثر من ستّين عملاً للفنّانة الأرجنتينية، اشتغلتها خلال العقود الثلاثة الأخيرة من حياتها. 

تحضر في المعرض، الذي يستمرّ حتّى الثلاثين من آب/ أغسطس المُقبل، سلسلة لوحات "اكتشافات فضائية"، والتي تُعرض كاملةً للمرّة الأُولى، إضافة إلى أعمالٍ أُخرى كبيرة الحجم، ورُسومات طوّرتها فورنر في العقود الأخيرة من حياتها المهنيّة. كذلك تُعرض سلسلة "الدورة الأرضية"، التي تناولت فيها مأساة الحرب الأهلية الإسبانية؛ وهي لوحات قاسية تروي أهوال فترة الحرب التي طُبعت في ذاكرة الرسّامة التي عاشت طفولتها مع والديها الإسبانيَّين في مدريد، قبل أن تنتقل نهائياً إلى القارة اللاتينية وتدرس الفنون الجميلة في بوينس آيرس. 

من المعرض
من المعرض

لطالما أظهرت فورنر في لوحاتها اهتماماً بالأحداث الآنية، ومنذ بداية الحرب الأهلية الإسبانية في عام 1936، اتّخذت أعمالها نبرة درامية ومأساوية. كما أنّها استعارت أفكاراً من السُّريالية خلال أربعينيات القرن الماضي واستفادت منها في تطوير فكرة "التشويه الجمالي" في اللوحة. صوّرت في لوحاتها، أيضاً، شخصيات نسائية قوية ومشوَّهة وجريئة، لكنّها ابتداءً من عام 1957، وبالتزامن مع سباق الفضاء بين الولايات المتّحدة والاتحاد السوفييتي، تحوّل انتباهُها إلى مشاهد تعكس خيال السفر بين الكواكب. وتُظهر هذه اللوحات الفضائية حساسية الفنّانة في مواجهة قفزة الإنسانية نحو الغموض، نحو المجهول، كتجربة رمزية للإنسان، وبالتالي إعادة النظر في الأسئلة الأُولى عن الحياة وعن الخلق. 

هكذا أصبح أبطال لوحات الفنّانة كائنات أرضية تنطلق لغزو القمر. في تلك الفترة نفسها، استخدمت فورنر، كي تعطي طابع الغموض للوحتها، تماماً كمثل الفضاء، ألواناً حيوية، كما أنّها لجأت إلى الأساطير الكونية لتعكس تلك العوالم الفضائية الغامضة. استمرّت التشكيلية في تصوير السفر إلى الفضاء فنيّاً حتى السبعينيات، وتُعدّ سلسلتها الفضائية من أشهر أعمالها، حيث اقتنى "متحف الولايات المتّحدة الوطني للطيران والفضاء" العديد من لوحاتها.

دلالات
المساهمون