كليمون روسيه: فلسفة وجودية مفتاحها البهجة

31 يناير 2023
عناية البخاري/ سورية
+ الخط -

عند رحيله قبل خمسة أعوام، كانت مدوّنة المفكّر الفرنسي كليمون روسيه (1939 ــ 2018) تقوم على أكثر من أربعين عنواناً نشرها منذ مطلع الستّينيات، ليكون من أكثر مُعاصريه من المفكّرين الفرنسيين تأليفاً ونشراً. لكنّ ذلك لم يشفع له بالتحوّل إلى اسمٍ يحظى بالاعتراف الكافي من المؤسّسات التعليمية وحتى من عموم قرّاء العلوم الاجتماعية في فرنسا، الذين لم يسمعوا من مؤلّفاته إلّا بعملٍ ربّما أو عملين.

وربّما أمكنت إحالة هذا التجاهل إلى اشتغال الراحل، طيلةَ تجربته، على هامش المشهد الفكري ومتطلّباته الإعلامية والتسويقية، بل إن فلسفته نفسها تمثّل خروجاً عن النحو الذي يُنظَر من خلاله إلى العديد من القضايا الفكرية، بما يذكّر بالفيلسوف الذي طالما أبدى روسيه إعجابه به: فريديريش نيتشه.

عن "منشورات الربيع" في القاهرة، صدرت حديثاً النسخة العربية من كتاب "القوّة القاهرة" لـ روسيه، بترجمة مصطفى الصباني؛ وهو عملٌ كان قد صدر في الأصل الفرنسي عام 1983.

القوة القاهرة

يتناول روسيه، في عمله هذا، المسألة نفسها التي شغلته طيلة حياته: الواقع، وعلاقتنا به. وهو يقترح قراءةً مجدّدة، تجمع بين الفلسفات الوجودية والمقولات التشاؤمية (شوبنهاور وسارتر وسيوران وغيرهم) من ناحية، وفلسفة القوّة النيتشوية من ناحية أُخرى. فصحيحٌ أن الوجود أمرٌ عبثيّ أو شبه عبثيّ بالنسبة إلينا، نحن الذين نعيش في شروط صعبة دون أن نختار ذلك، إلّا أن هذا لا يعني أنّ حياتنا ليست إلّا انتظاراً للموت (سيوران)، بل يمكن لها أن تكون قلْباً وتغييراً لمعنى الواقع نفسه، حيث يمكن له أن يتحوّل إلى نعيمٍ على الأرض.

وتمثّل البهجة، أو المرح، المفتاح النظري في رؤية روسيه هذه. فبدلاً من الحديث عن السعادة، التي شغلت الفلاسفة منذ البدايات الإغريقية وحتى يومنا هذا، يفضّل روسيه القول إن البهجة ــ باعتبارها لحظية، وعابرة ــ هي الوحيدة التي يمكنها أن تُجيب عن سبب العيش: أن يعيش المرء، ذلك يعني أن يستلذّ بحاضره، قاسياً كان أو ممتعاً، وأن يُعالج مرارة العيش بفرح البحث عن الحقيقة، وربما العثور عليها.

ويستند صاحب "انطباعات عابرة"، في مقولته هذه، بشكل كبير إلى فلسفة نيتشه، بل إن كتابه هذا يشكّل مدخلاً إلى أعمال الفيلسوف الألماني، الذي يفصّل روسيه في عددٍ من مفاهيمه الرئيسية التي يوظّفها في نقاشه، مثل العود الأبدي، وفهم نيتشه للمأساويّ؛ كما أنه، مثل نيتشه، يبني العديد من أمثلته حول البهجة على الفن، وتحديداً الموسيقى.

المساهمون