كلمة "البحر" لا تبلّلنا كما نحبّ

10 سبتمبر 2021
من لوحة لـ محمد المرابطي/ المغرب
+ الخط -

في كلّ كلامٍ خيبة دفينة، في كلّ حرفٍ انحرافٌ حزين عمّا نريد أن نقول.
نلجأ الى الكلمات لتمنحَنا عزاءَها الرمزيّ، وللمجاز لكي نرتوي قليلاً من ماء الخيال، ونوقِن مبكّراً أن لا عزاء ولا ارتواء. هي تمارين متقدّمة في التصالح مع النقصان وتهذيب العطش.

في لغتنا المحرورة مذ أن ارتفعت نخيلاً في الصحراء يستوي القَوْل مع الجَرح، والكلام مع النزيف. نحن مكلومون بالكلام، الكلمة هي جرحٌ لأنها تشير برمزيّتها إلى فقدان الشيء.

انتبهَ لاكان إلى أنّ الكلمة هي موت الشيء لأنّها تحلّ محلّه دون أن تستبدله تماماً. كلمة زهرة لا تُحيي الزهرة. كلمة "البحر" لا تبلّلنا كما نحبّ ولا تُعيد لنا ذلك "الإحساس الأقيانوسيّ" المفقود الذي استوقف فرويد في حديثه عن القلق الذي يثقب ويلوّث الحضارة. هي كلمات تقول الشيء نفسَه تقريباً وتُسعفنا في لمس ما تيسّر لمسُه ممّا فقدنا من جمال وكمال اللحظات الأولى من فجر الحياة، لحظات الذوبان المُطلق مع الأمّ.

الحبّ ــ يقول لاكان ــ هو ما يرمّم ذلك الشرخ الطويل بيننا وبين العالم. بين الذكورة والأنوثة. بين الحضور والغياب.
وحدَهُ الحبّ بكلّ صورِه يخفّف من حدّة ذاك النزيف السريّ المترقرِق تحت سطح الكلمات ويقرّبنا أكثر ــ ليس دونما حسرة ــ من جنّتنا العاطفيّة المفقودة التي لُفِظْنا منها إلى قاموس الألفاظ والأسماء.


* شاعر واختصاصي نفسي عِيادي من فلسطين

موقف
التحديثات الحية
المساهمون