قلّةٌ هم الكتّاب الذين يوصفون بالفلاسفة رغم عدم تخصيصهم الجزء الأكبر من تجربتهم لنشر أعمال تنتمي بشكل بواضح إلى هذا الحقل الفكري. ولعلّ الفرنسي، المولود في الجزائر، ألبير كامو (1913 ــ 1960)، واحدٌ من أبرز هؤلاء الكتّاب.
إلى جانب أعماله الروائية والمسرحية المعروفة، والتي ساهمت بشكل كبير في نيله "جائزة نوبل للآداب"، مثل "الغريب" و"الطاعون" و"العادلون"، نشر كامو مجموعةً من كتب المقالات التي عرض فيها لـ"فلسفته" الخاصّة حول مفاهيم الوجود والحرّية والعدل، وكذلك حول السياسة، كما فعل في "أسطورة سيزيف" (1942) و"الإنسان المتمرّد" (1951).
على أنّ الحديث عن "فلسفة" لدى كامو لا يقودنا بالضرورة إلى مقالاته الفكرية هذه، بل إلى سرده بشكل أساسي، وهو ما تؤكّد عليه الباحثة الفرنسية كريستين نويل لوميتر في كتابها "كامو، خطوةً خطوة"، الصادر حديثاً لدى منشورات "إيليبس" في باريس.
منذ البداية، تُخبرنا المؤلّفة أن صاحب "السقوط" ليس فيلسوفاً اعتيادياً، باعتبار أنّ فلسفته منثورة بين مجمل أعماله، بما يتطلّب البحث عن خيط أو خيوط ناظمة تجمع بين مختلف الآراء الفكرية التي قدّمها - وهي مهمّة تسعى نويل لوميتر إلى القيام بها في خمسة فصول، تسبقها مقدّمة وتليها خاتمة.
ولعلّ الفصل الأول، الذي يحمل عنوان "التفكير بالعالم من خلال الصور"، كفيلٌ بإعطاء فكرة عن وضعية كامو الفلسفية: فهو لا يفكّر من خلال المفاهيم، كما جرت العادة لدى الفلاسفة، بل من خلال الصور. وهذا لا يمنعه، بحسب المؤلّفة، من "طرْح أسئلة جوهرية حول ظرفنا الإنساني"، باعتبار أن طرح هذه الأسئلة هو الكفيل بتحديد ما إذا كان كاتبٌ ما فيلسوفاً أم لا.
تعرّج كريستين نويل لوميتر، في الفصول اللاحقة، على علاقة كامو بالفلاسفة، بدءاً من أستاذه جان غرينييه (درس كامو الفلسفة في شبابه)، وصولاً إلى نيتشه وحنا آرندت؛ كما تتوقّف عند دور الصحافة في تجربته بوصفها حقلاً يساعد على فهم الحدث التاريخي.
وتُعطي المؤلّفة عدداً من العناوين العريضة التي تقوم عليها فلسفة كامو، ومنها: مواجهة العبث، وضرورة التمرّد أو الثورة، وإعادة التفكير في العلاقة بين العدالة والعنف (وهي الثيمة التي اختلف فيها كامو مع سارتر)، فيما تُنهي كتابها بحديث عن وجود فلسفة للحب لدى الكاتب الفرنسي، وهي فلسفةٌ تتمظهر بشكل أساسيّ في كتاباته عن الجسد.