تستمر "دارة الفنون" في عمّان تقديم برامجها وأنشطتها لهذا العام افتراضياً كما نظّمتها العام الماضي، ويبدو أن الذهاب نحو تفاعل رقمي بين الفنانين والمؤسسة من جهة وبين الفنانين أنفسهم من جهة ثانية، بات إطاراً أساسياً يحكم القيام بالمشاريع وعرضها في الفترة المقبلة.
"قياس الحياة: ملاحظات نحو تبادل مستحيل" عنوان المشروع الذي أُطلق في الرابع عشر من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي ولا يزال مستمراً دون تحديد موعد لاختتامه، ما ينطبق على بقية المشاريع التي لم يعد لها سقوف زمنية كونها لم تحتلّ حيّزاً في عرضها داخل المكان، إنما على منصّات الدارة الإلكترونية.
يستحضر المشروع، الذي بدأ تنفيذه في أعقاب جائجة كورونا، "سلسلة من العروض الأدائية، والمشاهدات والمداخلات الفنية... إلخ، التي تفكّك نظم القيم المضمّنة في الخطابات المهيمنة حول الحياة والاقتصاد"، بحسب بيان المنظّمين.
ويضيف البيان ذاته: "ننظر إلى تعبير "صحة الاقتصاد" كمثال على توظيف المفردات الخاصة بجسد الإنسان في وصف حالة الاقتصاد، وبالتالي تصويره كمادة عضوية في مقابل التعبير عن الحياة ككيان قابل للحوسبة، أو اختزالها إلى مشكلة مالية ودمجها في "أنظمة التجريد والتفكير الآلي" على حد تعبير المفكر الكاميروني أشيل مبيمبي".
ويأتي المشروع في سياق طرح السؤال حول ما تمثله القيمة، يتطرّق المشروع إلى العنف الذي تنتجه أنظمة التمثيل السائدة، ويسعى إلى تخيّل طرق جديدة للقياس توجِد جماليات مختلفة وممارسات راديكالية تؤكد على قوى الحياة.
يوضح الفيديو المرافق كيف أن كلّ المواد بما في ذلك الحياة نفسها يتمّ تحويلها إلى كيانات قابلة للحساب والحوسبة، خاضعة للتسليع والتبادل، ويكشف انتشار الرسوم البيانية والإحصاءات والمنحنيات التي تمثّل أرواحاً تمّ إنقاذها وأخرى فقدت عن نظام دلالات لشمولية رأسمالية، حيث يستبدل الاقتصاد العالم بأكمله، ويكتب كلّ شيء في الداخل، وكلّ ما هو في الداخل يُحوّل إلى مشكلة مالية.
تُستدعى أفكار صاحب "نقد العقل الزنجي" في محاولة لفهم حياتنا المعاصرة وكيفية قياسها وعيشها أيضاً، حيث يشير المنظّمون إلى أن الاقتصاد يظهر في الخطاب العام السائد كمادة حيّة، جسماً، بشرياً، ويضع الخطاب الرسمي صحة الاقتصاد في المركز، وهي على حد تعبير جوديث باتلر "استعارة لغوية تودي بالأرواح حيث تعتمد حماية صحة الاقتصاد على التضحية بحياة البشر؛ أو، لنكن أكثر دقة، حياة تلك الأجساد التي تم تصنيفها تاريخياً بأنها ليست بشرية، حياة السود، حياة الطبقة العاملة، حياة هؤلاء في الخطوط الأمامية".
المشروع الذي ينسّقه كلّ من الفنانين جود الحلواني التميمي، وفراس شحادة، وريم مرجي، يتضمّن ثلاثة مشاهد توضّح مجمل هذه الأفكار، كما تُعرض عدّة أعمال هي: "القِياس المُستحيل، الحياة والموت والتجريد الحقيقي" لـ سامي خطيب، و"مؤتمر المتسكّعين والمتسكّعات" لـ باسم سعد، و"عملعب: التعدين في سحابات مشفّرة" لـ علي حسين العدوي، و"حياة مثالية في المستقبل، هكذا وردت" لـ نديم شوفي، و"المدينة الحمراء لكوكب الرأسمالية" لـ بهار نوري زاده.