قصائد من لعنة المالينشِه

20 يناير 2021
الشاعر الهندوراسي دينيس آفيلا (تصوير: خوليا هينريكس)
+ الخط -

كان يمشي على قدميه في هذه الشوارع

إرنستو كاردينال
نيكاراغوا (1925 - 2020)

كان يعبرُ الشارعَ ماشياً على قدميه
دون عملٍ، دون نقود.
الشعراء والعاهرات والمذنبون فقط
قرأوا قصائده.

لم يُهاجر يوماً
كان معتقلاً.
هو ميت الآن
ليس له أيُّ أثر...

لكن
تذكَّروه عندما تبنون جسورا خرسانية،
مُحرِّكاتٍ ضخمةٍ، جرَّارات، ومخازن فضَّة،
وحكوماتٍ رشيدة.
لأنَّه طَهَّر في قصائدهِ لغة قومهِ،
التي سيكتبون بها يوماً عُقود التِّجارة،
الدستور، رسائل الحب،
والقرارات.


■ ■ ■


أفعال متوارثة

دينيس آفيلا
هندوراس (1981)

I

من شجرة العائلة
أعرف
بضع حوافٍ
من أغصانها.
أرواحٌ مجهولة
منحت الشجرة كل شيء
مضبوطاً على أطرافها.

II

بعد أن كان عاملاً في منجم
جدّي لأبي
حَرَسَ مدرسة
لثلاثين عاماً
وحين كان ينام
كان يتحوّل لكلبٍ
كي لا يجرؤ الطلّاب
على القفز عن الجدار الذي يحمي
اختباراتهم.
في يوم موته
هبط ساحرٌ من الجبال
وفتح فمه
ليبتلع قوّة الرجل
الأبسط في العالم

III

جدّتي لأبي
ماتت بين يدي
كانت طيبة
كضفائرها البيضاء.
كانت قدّيسة
بعيبٍ واحد
التردّد المتواصل على المشافي.
وحين ماتت
ولعدّة أشهر
كنت أرى كتبي ملقاة على الأرض
الأثاث ليس في مكانه
المزهرّيات محطّمة
وصنبور مياه الاستحمام يدور
في منتصف الليل.
في عدَّة مناسبات
كانت روحها تجلس بجانبي
في السرير
وتراقب نومي.
عاشت معنا منذ زمن
ولم تشأ قط
الخروج
من ذلك البيت.

IV

لم أعرف جدّي الآخر
كان قد قُتل عام ألف وتسعمائة
وستة وسبعين.
كان قتله الطريقة الوحيدة
لكتم
ثورته.
رجل ذو بصيرة
أسّس المدرسة
ومستوصفاً طبياً في قريته.
سيارته الفورد
كشفت عن ثمانين طلقة
واحدة منها فقط
أصابت قلبه.
جدّي
جدّ سبعة وثلاثين حفيداً،
لم يتمكّن من عناقهم
شجرة عريضة كثيفة
تتّسع
لكلِّ ظلالنا.

V

جدَّتي لأمي
هاجرت للعاصمة
مع عشرة أبناء
علَّمتهم قدر ما استطاعت.
تعلّمت العيش وقوفاً
بقوّة تمثال
سكن عظامها.
يداها تباركانا
متجاوزة الحدود
التي تخطَّت
بعضاً منّا.
مرّ تسعون صيفاً
وشتاءً
وبقيت قوّتها هي الأنصع.

VI

بطلات وأبطال
أحمل دماءهم.
منهم
بدأت قصتي.


■ ■ ■


حِوار تشيلي

راؤول زوريتا
تشيلي (1950)

سترى بحراً من الأحجار
سترى أُقحواناً في البحر
سترى إلهاً من الجوع
سترى الجوع
سترى أشكالاً تُشبه الزهور
سترى صحراء
سترى البحرَ في الصحراء
سترى بُغْضَكَ
سترى بلداً من العَطَش
سترى منحدراتٍ من المياه
سترى أسماءً متسرِّبةً
سترى العَطَش
سترى قليلاً من الحُبِّ
سترى زهوراً تشبه الأحجارَ
سترى عيونهم منسلَّةً
سترى قِمَماً
سترى أقحواناً على القِمَمِ
سترى يوماً أبيضَ
سترى أنّه سينتهي
سترى اللارؤية
وستبكي.


■ ■ ■


دُس على ظهري

بيذرو مونتي أليغري
تشيلي (1975- 2015)

لم أعُد أنام 
في ذاكرة الجنَّة
بل رُبّما في شارعٍ
يهزُّ الأولاد قلبَهُ كقمامة
لم أعد أُبرِقُ
الأمطار السيليكونيَّة
أسماك الوعي فاسدة
ليست سوى جدارٍ
تخدشه خربشاتٌ
وقلوب مهجورة
لا أصعدُ مجداً
وأركب في سيَّارة أيِّ كان.


■ ■ ■


الدّيسكو

بيدرو هافيير سوليس
نيكاراغوا (1963)

يَقَعُ الدِّيسكو بينَ
"مَمرِّ المخلوقاتِ الخُرافِيَّةِ" و" طريقِ اليَوْمِ".

هُنا تحتَ الأضواءِ
يَصطكُّ مُجتَمَعُ الرَّخاءِ
كجمرٍ مُتَّقِدٍ (سَيَتَحَوَّلُ رماداً فيما بعد).
كلٌ على طريقتِهِ الخَاصّةِ في تَحَوّلِهِ المسعورِ
كأنَّما يَتَجَنَّبُ أن تُسْنِدَنا السَّاعاتِ بِأجنحةِ صرصارٍ
وكأنَّما حَلَبَةُ الرَّقْصِ
لَن تبقَى في نهايةِ المطافِ صخرةً عاريةً.

لا يَعني ذلك أنَّ البُغضَ سّيِّئٌ.
مُجَرَّد أنَّ السُّلُطات المُتسربِلَةُ بالحَظِّ
تُطَقْطِقُ كَجمرٍ تَحت قِدْرٍ
وأنا سَأخلدُ للَّنومِ
كما لو أنَّ الموتَ لا يُحطِّمُ كلَّ المعوناتِ.


■ ■ ■


كان العم عزرا على حق

خورخي بالما
أوروغواي (1961)

"لا يُمكن لأموالٍ تُجنى من الرِّبا أن تُشيدَ بيتاً مُتماسكَ البنيان"
ع. باوند


كان العمُّ عزرا على حقٍّ
إذ لا يُمكنُ تَشييدُ بيتٍ من الرِّبا
ولا وطنٍ
ولا حتى أي شارعٍ
يَقودنا إلى شفاهِ الحُبِّ الدَّافئةِ
بالمقابلِ
لا يُمكنُ التَّنفُّس إطلاقاً
ولا أن يُعَرِّيَك الهواءُ.

بالمقابلِ
لا تُمكنُ رُؤيةُ السَّماءِ
ولا أمواجِ البحرِ وهي تَتَكسَّرُ على صخورِ الطفولةِ
ولا الرقصُ فرحاً
على أنغامٍ صفراءَ لهديلِ طيرٍ عابرٍ،
لا يمكن استنشاقُ هذا الهواء الباردِ
ولا لمسُ الغيومِ
ولا الجلوسُ في مساءِ يومٍ خريفيٍّ
على حافةِ المغيبِ
تحكي لابنكَ
أنَّ الرِّيحَ الآن تختبئُ بين الشِّعرِ المُتناثرِ لتلكَ الشَّجرةِ
وأنَّ النُّجومَ مصابيحٌ
تُضيءُ الجِنَّ في السَّماءِ.

بالمقابلِ
لا يُمكن أن تَتَنفَّسَ
 أن تُداعبَ
أن تشعرَ بنبضِ الفجرِ الخفيفِ الدافئِ
في صدركَ تماماً فوق جلدكَ
يُطِلُّ من النَّوافذِ
بين ثنيات غرفتك.

كان العم عزرا على حق
لا يمكن تشييدُ بيتٍ من الربا
ولا سماءٍ و لا علمٍ
ولا عيون تنظر
ولا أُخرى تَزوغُ
وهي تستشرفُ ولو للحظاتٍ
وجهَ المُستقبل.


■ ■ ■


الرابع من يناير

خافيير غوتييرّس لوسانو
المكسيكي (1988)

اليوم الرابع من يناير 1952
وأنا إرنستو غيفارا،
أنا ألبرتو غراناذو
أسيرُ في السهول مُسترجعاً الأراضي المُصادرة 
والرمال أصبحت تعرف خطواتي.
في فمي يتَّسع الصوتُ لكل الصمت.
الأمواج الملوَّنة على الشاطئ صعدت القمم لتروي الحمام الحائم 
يوماً بعد يوم فوق الأمل
على هذه الأرض
أن تتشابك الأصابع يعني أن تَلمحَ الأفق 
وأن تعرف أنَّ بإمكان الرياح أن تُحرِّك البحر.


* قصائد مختارة من "لعنة المالينشه"

** ترجمة عن الإسبانية: غدير أبو سنينة

نصوص
التحديثات الحية
المساهمون