أحياناً في الإبادة
كان يوم خميس
عندما مرَّ آلاف القتلى
من خلالي، بجفاء
مثل فراق عُشَّاق.
تناولت الغداء على الأرض
بارداً مثل إله، مُشعِراً مثل حيوان.
حاولتُ أن أضمَّهم على ما أظنّ
حاولت أن أمدَّ يدي إليهم، مُنتفضاً.
لَم يُبطئوا مسيرهم
ومعهم راحَ كلُّ إحساس.
■ ■ ■
كتابة الشعر خلال الإبادة
البعض سيُغمغم
هذه ليست مجزرتك
أنْ تكتب قصائد عمَّن
ليسوا أقاربك
مَن قتلوا وقتلوا وقتلوا -
كأنَّ العروبة
أو الانتماء إلى الأمَّة يعني أن أكتب
من موقع الموتى.
آه يا حبيبي، كم أتمنّى لو كان ذلك حقيقة.
أنا أكتب من زناد
الإمبراطورية. ليست هذه القصيدة
التي موَّلت الانفجار، إنما أُخرى.
■ ■ ■
كيف تتعرَّف على أحبابك في المجزرة
بأياديهم
بأساورهنّ
بشكلِ غيابهم
في طابور الطعام
في طابور الوقود
بأياديهم
بأساورهنّ
بالشَّعر المُطلِّ من الرُّكام
لا تَقُل إنهم أشلاء
هُم في كلّ مكان.
■ ■ ■
زوجتي في المجزرة
هاتفي مُستيقظ كلّ ساعة.
المجزرة على الطرف الآخر من المُحيط.
المجزرة في يدي
تُطرطش بخفَّة على عينيَّ.
إنها أبعدُ من أن تعرِّضني للخطر
ولكنّها ليست أبعدَ من أنْ تُهرّبني
ومن أنْ تُغذّيها أموالي.
زوجتي تُريدني أن أكون حاضراً. كيف
أخبرها أنّني زوجٌ للفقدان؟
وأنّ الفقدان زوجها الآن أيضاً. انظري.
الظلال في بيتنا حمراء.
■ ■ ■
خدشٌ في المجزرة
ابني الذي اسمُه الألَق
تعثَّر
وسلخَ ركبته الصغيرة. يا إلهي على النُّواح!
النُّواح في قلبي! بقعةُ
دمٍ بحجم الشمس تقريباً
أو بحجم إبهامي. حدث ذلك في زمن بعيد.
ما يزال بمقدوري سماعه.
■ ■ ■
الشرعيّة في المجزرة
صعبة المنال مثل ملائكة قبل القنبلة الأُولى
وشائعة مثل السماء بعدها
تتكاثر الشرعيَّة
في الأعين الصِّبيانية للجثث،
تطفح الحاضنات بالشرعيّة
تُهجّي المدارس المُدمَّرة الشرعيّة
هذا السحر القبيح، صانع الموت!
يرقص الجنود على القبور بشرعية
جميعنا يموت بشرعية
والقُضاة مسرورون.
■ ■ ■
المجزرة في المجزرة
أمشي في حقول المجزرة
جئتُ هُنا من فلسطين
الحشود هائلة،
نقف كتفاً إلى كتف، قلباً
إلى قلب. ها هم إخوتي اليمنيّون
ها هنّ أخواتي السودانيات؛
ها هم خِلَّاني الروهينغا
ها هنَّ أحبَّتي الإيغور؛
ها هُم أعمامي الكونغوليّون
ها هنَّ قريباتي الويرادجوريات؛
ها هم رفاقي الأرمن
ها هنَّ عماتي الكُرديّات؛
ها هم أجدادي الأفغان
هاك دمي السوري؛
هاك عائلتي العراقية -
جئتُ هنا من أجل فلسطين ووجدتُ العالم.
إذا كنت تبحث-ين عن نفسك، كفاك.
الكلُّ هنا. السؤال هو:
ماذا تفعل-ين بيديك؟
■ ■ ■
الهولوكوست في المجزرة
من الصَّعب رؤية اليهود في هذه المجزرة.
أولئك الذين يقترفونها، وأولئك الذين يقاومونها
يُغطّي عليهم ستّة ملايين درع بشري.
لَم يصمِّم أحدٌ قط
سلاحاً أفتَك.
■ ■ ■
الجدوى في المجزرة
لا يُمكنك إيقاف هذا، أيّتها القصيدة الصغيرة.
أيُّ فائدة تُرتجى من شهادتك؟
كلُّ شيء هو الطَّلَب.
كلُّ ما أطلبه أنْ تكوني
مخدَّة لريم
مخدَّة لطارق
مخدَّة لعُمر
مخدَّة للأطفال
مخدَّة للآباء
مخدَّة للأمهات
مخدَّة للشهداء
ونعم، للمُقاتلين والمقاتلات.
ناعمة، بل وأنعَم أيضاً.
ارتاحوا يا أحبَّتي. ارتاحوا يا قلبي.
■ ■ ■
تأمّلات في المجزرة
يحطُّ ابني على جائزته - صندوق مرايا - ويتحوَّل. بإمكانه أن يرى نفسه، ولا يرغب بشيءٍ عدا تحرير ما يوجد بالداخل. يهزُّ ذراعه، فيصدر قرقعة ذات إيقاع. لا يستطيع الدخول. لا يستطيع الفكاك. يميل نحو الأحياء، جسمُه بأكمله عازم على تأدية المهمّة، وتُشتّت انتباهه موسيقى المواجهة. لقد رأيت هذه العملية تتكرّر مع وردة، وكتاب، وموزة، والقمر، والرِّيح؛ إنّه دائماً يُمسك بشيء. يداي مُمتلئتان بالفقدان. لا أستطيع الدخول. لا أستطيع الفكاك.
* ترجمة عن الإنكليزية: أنس طريف
بطاقة
شاعر وكاتب أُسترالي وُلد عام 1989 لوالدين مهاجرين من لبنان وتركيا، ويعرّف نفسه مسانداً لفلسطين وعربيّ الهُويّة في المقام الأول، مع أن والده تركي ويكتب بالإنكليزية. حازت أعماله جوائز أدبية أسترالية بارزة حيث يُعتبر من أقوى أسماء جيله الأدبي وأكثرهم شهرة. ومن مجموعاته الشعرية: "هذه البيوت البرّية" (2017)، و"العرب الضائعون" (2019)، و"عمل غير ضروري" (2023)، ورواية بعنوان "ابن الخطيئة" (2022).