قسطنطين خمّار: جغرافيا فلسطين قبل النكبة

31 ديسمبر 2023
مدينة الناصرة في عشرينيات القرن الماضي (Getty)
+ الخط -

في صيف عام 1971، عقدت مجموعة من الجغرافيّين العرب حلقةً دراسية في بيروت لبحث توحيد أسماء المواقع الجغرافية في العالم العربي، وتدارَس أعضاء الحلقة مساعي "إسرائيل" لتبديل أسماء المواقع الفلسطينية من أصلها العربي إلى أسماء عبرية، فخرجت توصياتهم بإعداد كشف يتضّمن الأسماء العربية لجميع المواقع التي أبدلتها سلطات الاحتلال بأسماء عبرية دخيلة.

أُولى المحاولات في تثبيت الأسماء العربية قام بها "مركز الأبحاث الفلسطيني" الذي سعى، منذ تأسيسه عام 1966، إلى سدّ النقص في التوثيق نتيجة شحّ المصادر العربية آنذاك، حيث قدّم المركز إلى الحلقة الجغرافية العربية مذكّرةً بخصوص إنجاز المشروع، موكلاً المهمّة إلى الباحث قسطنطين خمّار الذي أصدر "موسوعة فلسطين الجغرافية" سنة 1969.

بعد نحو خمسين عاماً من نشْر الطبعة الأولى من كتاب "أسماء الأماكن والمواقع والمعالم الطبيعية والبشرية والجغرافية المعروفة في فلسطين حتى العام 1948"، صدرت منذ أيام طبعة جديدة ضمن "منشورات مكتبة الأسرة" في وزارة الثقافة الأردنية.

يقابل المؤلّف كلَّ اسم موقع عربي بالتسمية الاستعمارية بين هلالين

الطبعة، التي يُفترض أن توزّع آلاف النسخ منها بأسعار زهيدة، تتصدّرها مقدّمة تشير إلى أنّ إعداد كشف الأسماء استغرق عامَين ليشكل نواة العمل الذي يُعدّ "مصدراً جديداً في خدمة الباحث العربي، الجغرافي أو المؤرّخ أو الأستاذ أو الدارس أو الكاتب أو الصحافي".

اتّبع المؤلّف منهجية واضحة في التأليف تعتمد على تصنيف الأسماء حسب الترتيب الهجائي لأسماء المواقع بالعربية، حيث يقابل كلُّ اسم منها التسمية العبرية الاستعمارية بين هلالين، كما كتب الاسم العربي بالحرف اللاتيني، وأورد بعده الاسم العبري، إذا وُجد، وهوية الموقع حسب الرمز الاصطلاحي (مدينة، قرية...)، وتلاه الموقع الجغرافي على الوجه التقريبي، ليتمكّن الباحث من العثور عليه، على الخريطة، دون عناءٍ كبير.

ويوضّح خمّار أنّه حرِص، إلى حدّ ما، على وضع الأسماء بالفصحى، حيث أمكن، مع اضطرار لاستعمال الاسم العاميّ أحياناً، مستحضراً أمثلة منها "وادي البيارة" غربي جبال الخليل، والذي لم يدوّنه "وادي الآبار" حتى يتمكّن القارئ من تحديد الموقع المقصود، ولا يصعب الأمر على سكّان تلك الأمكنة.

واستند المؤلّف إلى مجموعة من المصادر الرئيسية، وفي مقدّمتها: خريطة دائرة التسوية في عهد الاستعمار البريطاني، وستّة وعشرين خريطة رسمها كلّ من الضابطين الإنكليزيّين كوندور وكتشنر بين عاميْ 1871 و1876، إضافةً إلى مراجع أُخرى عربية وأجنبية.

يُعتبر الكتاب وثيقة مهمّة ثبّتت الأسماء العربية لجغرافيا فلسطين حتى صدوره عام 1973، إلّا أنّ إستراتيجية الاحتلال الإسرائيلي في تغيير الواقع الجغرافي بدأت سنة 1948 ولم تنته إلى اليوم، إذ تشير أحدث الدراسات إلى عبرنة أكثر من تسعة آلاف موقع ضمن الحيّز المكاني العامّ في فلسطين التاريخية.

ومن بين المواقع التي تمّت عبرنتها: إجزم لتصبح "كرم مَهْرال وماقوراه"، و"إعبلّين" التي غدا اسمها "أفْلايِم"، و"أم الزينات" التي صار اسمها "إلْياقِم" والبلدات الثلاث بالقرب من حيفا، وباب الواد في جبال القدس التي أصبحت "نَخشون"، وبيت سوسين قرب الرملة التي حُوّل اسمها إلى "تاعوز"، وبيت ليد قرب طولكرم التي صار اسمها "شِفوت عام"، وترشيحا قرب عكا التي أصبحت "معوناه"، والجاعونة قرب صفد التي صار اسمها "روش بِناه"، والجرمق قرب صفد أيضاً والتي أصبحت "ميرون"، وحَصَب في وادي عربة التي أصبحت "عَيْن حاتسيفا"، ومنطقة الحمراء جنوب غرب البحر الميت التي أصبحت "عين أدْمون"، والدوايمة غربي مدينة الخليل التي صار اسمها "أماتزيا"، والدُوَير جنوب غرب بيت جبرين التي أصبحت "لَخيش"، والخيرية قرب يافا التي صار اسمها "بني بِراق"، والخلّادية قرب الناصرة التي أصبحت "بِفْتاحيل"... وهكذا دواليك في متوالية تزوير استعماري بمخيّلة إبادة توراتية. 
 

المساهمون