"قبل زَحْفِ الظلام" لعلي الصافي..عقدٌ من سنوات الرصاص

22 مارس 2023
من مظاهرات سبعينيات المغرب (من الفيلم)
+ الخط -

سنواتُ الرصاص مصطلحٌ عرفه أكثر من بلد في القرن العشرين؛ وأقرب تعريف له بأنه تعبير عن أزمة سياسية يجتمع في حَدّيها: حراكٌ مجتمعي ناهض من جهة، وانغلاقٌ سلطوي قامعٌ ومُرتاب من أيّ نشاط على الجِهة المقابلة. ولئِن كانت تلك الحالة تلمُّ بالبلدان لفتراتٍ محدودة، فإنّها قد طالت وامتدّت في بلد كـ المغرب قرابة ثلاثين عاماً (1960 - 1990)، مارست فيها السلطة كلّ أنواع التوغّل والانتهاكات بحقّ معارضيها على اختلاف أطيافهم.

"قبل زحف الظلام" (70 د)، عنوان الفيلم الوثائقي الذي وقّعه المخرج المغربي علي الصافي (1963)، قبل ثلاث سنوات، ويُعرَض هذه الأيام على منصّة "أفلامنا" حتى 29 آذار/ مارس الجاري. يسلّط الفيلم الضوء على حقبة السبعينيات من القرن الماضي، وفيها شهد المغرب احتقاناً كبيراً بسبب اصطدام الحراكات الثقافية والسياسية بالسلطة. ومن بين القضايا التي يتطرّق لها الوثائقي مسألةُ الرقابة، وأحلامُ كثير من النخبة المثقّفة والفنية التي كانت تجدُ في الفنّ والثقافة والإبداع وسيلة للتعبير عن حقوقها المهدورة، ورفضها للانتهاكات والتهميش.

وثائقي يمزج بين الأفكار السياسية واعتماد الأرشيف كأداة فنية

العمل الذي استغرق إنجازُه قرابة عشرة أعوام، يعتمد على رؤيةٍ واقعية وسردٍ توثيقي للأحداث، وهنا يمكن النّظر في هذه المدّة والوَقائع المتغيّرة من حوله، فسنوات الإعداد قد جرى فيها الكثير من الأحداث السياسية، وبعض المشتغلين وأصحاب الشهادات عن تلك الحقبة يُعايشون هذه المتغيرات ويتفاعلون معها؛ مع ذلك فالمُشاهِد يذهب مع كاميرا الصافي في رحلة بصرية غنية ومنفتحة على الأرشيف ومُمكنات التاريخ الشفوي. 

الصورة
من أرشيفات "قبل زحف الظلام" - القسم الثقافي
حال الأرشيفات التي بنى عليها علي الصافي فيلمه

يؤطّر مفهوم الالتزام والأفكار اليسارية العمل، دون أن يغرق في موقفية جافّة. ومَن يتابعِ الفيلم يقع على لحظات تتقاطع فيها الهموم والشهادات والتفاصيل الإنسانية. كما أنّه، أوّلاً وأخيراً، عملٌ يتحدّث عن تاريخ معروف وقريب وغير مُتخيّل، وعناصرُه السياسية ليست محجوبة أو مُبهمة، وهنا يُصبح الإفصاح والمُباشَرة جزءاً من الشرط الفني. وبالتالي، إنّ خلفيةً موسيقية ما، أو شعارات وحوارات تُحيل إلى فترة محدّدة، لا تعني بالضرورة أن ذلك نزوعٌ صوب النوستالجيا، فضلاً عن أنّ هذه المُفردة تبقى عنصراً حيوياً ومُساعِداً على تأسيس ذاكرة جمعية للناس.

من جانب آخر، هل نحن أمام عملٍ تأريخي أو أخذ على عاتقه هذه المهمّة؟ هذا، أيضاً، سؤالٌ يضعنا أمامه مزيجُ الوثائقية وعرض الأفكار السياسية بكثافة؛ ولكنّ التذكير بمجهود الصافي الإنتاجي الذي استمر لعشر سنوات في الإعداد لفيلمه، ثم التقاطعات بين مضمون العمل وما جرى خلال العَقد المنصرم من انتفاضات وحراكات يعطي الفيلم أُفقاً مستقبلياً، لا بمعنى المأساة التي تُكرّر نفسها، بل بقدر ما تكمّل أفكار الحاضر ما سبقها من مكتسبات، وتؤسّس لما سيأتي بعدها.

المساهمون