في وطن محتلّ أو منفىً

08 نوفمبر 2023
تظاهرة في حي فاليكاس العمّالي داعمة لفلسطين، مدريد، أول أمس (Getty)
+ الخط -

نشهد، منذ فترة طويلة، ذلك الجيل العظيم من شباب الحروب المتسلسلة والحصارات.

إنّه جيل حفر الأنفاق، وإنّه جيل القوافي الجامحة لأحلام حوصرت، ومنع محتلُّهم عنها النورَين: نور الأمل ونور الأفق.

إنّ كلّ حياتهم تتلخّص في جملة، لا علاقة لها ببلاغة شكسبير، وإنما بالواقع الفاقع:

نريد أن نكون كما نريد، وليس كما يريد لنا الآخرون من العلوج.

نريد الذهاب إلى حيث لم تكن لنا علاقة بقُرانا ومدننا قطّ، إلّا عن طريق حكايا الأجداد والآباء: إلى حيث فلسطين ليست شطيرة مختَلَطة بين أصلاني ودخيل.

إلى حق معذَّبي الشتات من شعبنا، في العودة إلى أرضهم الأُولى، كي يعيشوا فيها، لا في سواها، أحياءً وموتى.

إلى ألّا ينساق بعضنا لرواية الهمج، لأنّ مفتاح التواصُل مع الجمهور هو دوماً أن تكون حقيقياً مثل أبو عبيدة، فلا تمتهن الكذب الصهيوني، ولو مرّةً كلّ ألف مرّة.

لأنّ البلاد لا تعود إلّا بأغلانا، سنصمد ولن يمرّوا إلّا على أجسادنا

ألّا ننتظر يوم القيامة، ونحن هنا من ساكنة هذه الأرض، لنعاقِب مجرمي الحرب الطاعنين في لحمنا، ومَن أتقنوا فنّ الطهو على عراء جلودنا، ومن جعلوا جفوننا شديدة الجفاف، حتى أعوزتنا رحمةُ البكاء، وإنّما أن نُحاكِم أفاعيهم ونرسلها تباعاً. ألّا نستسلم لإعطاب شعب كامل (16 مليون ونيّف)، سواء في وطن محتلّ أو منفىً، والسماح لهم بجعل حياته تمضي على عجلات. إنّ الحياة على عجلات تليق بهم وبكلّ محتلّ غاصب سبقهم، من أولئك المجانين ذوي اللون الأبيض.

نريد فلسطين باقيةً، تأنف التحوُّل إلى مخزن لتجفيف الفلفل الأسود، كي ينتشي شراذم المُرابين بأحلامهم بالغة الشّره، وأن تنبثق منازلنا ثانية للمشهد، في قلب تربتها الملغاة، حيث تجلب العاصفةُ خيرَنا القديم كلَّه.

ألّا نبقى على مدى الدهر حَمَلة الصُّرر والبُقج والحقائب من منفىً إلى منفى، ومن مخيّم لاجئين إلى آخر، في متوالية ذلّ لا تنفد.

أن تعيد شمسُنا تفتُّحَ اليخضور، وصداح الشحرور، وأن تختفي المدافع عن البصر والبصيرة.

أن نعيش عن كثب في مسرح العائلة، وقد زالت الشركة التي لا تقدر أن تنفصل عن عون مؤسِّسيها.

إنّ غياب الأُفق الواضح للنظام الرأسمالي، يثير الحنين إلى الماضي في مواقف يمينهم، والموقف المحافظ في اليسار. وكلُّ هذا نحن أوّلُ من يدفع ثمنه بالدم.

نُؤمن ألّا وطن قابلاً للتحرُّر بتكلفة منخفضة، وأنهم لو زرعوا في باقي ترابنا ألف مقبرة، لكانت كلُّها جديرة بالزيارة، أنّه لا يمكن تلافي أفعال الوحش عبر علاقة معقَّدة من تمسيح الجوخ، أنّنا نعاني لأنّ بلادنا تريد المزيد دوماً، كيلا تبقى هي ولا نحن في حالة يُرثى لها.

ولأنّ الوطن لا يعود إلّا بأغلانا، ولأنّه ليس لدينا حتى الماء للاغتسال، والآن بدأ المرض في الانتشار، فسنقاتل وسنصمد ولن يمرّوا إلّا على أجسادنا.


* شاعر فلسطيني مُقيم في بلجيكا

موقف
التحديثات الحية