في اللجوء "المضياف"

25 يوليو 2022
رجلٌ أوكراني ينتقي بعض أغراض بيته قبل أن يتركه بفعل اقتراب القوات الروسية، (Getty)
+ الخط -

بينما تستمرُّ الحرب في أوكرانيا في مسارها الكارثي، لم يكن أمام أكثر من أربعة ملايين ونصف مليون من المتضرّرين الأوكرانيّين خيارٌ سوى الفرار إلى الدول المجاورة بحثاً عن الأمان. يبدو أن الإصرار السياسي والإعلامي يتركّز على رسم خطٍّ واضح بين اللاجئين (من أوكرانيا) والمُهاجرين (من دُول الجنوب)، ما يسلّط الضوء على محوِ الظروف التي تفرز أعداداً كبيرة من الشتات، مع الاستقلال النسبي عن الرقم القانوني المخصَّص للمشرّدين، على التوالي.

وهنا، كما نلاحظ، تتمثّل الاستراتيجية الخطابية المُهيمنة بطرح ثنائية هيكليّة على نطاقٍ من التمييز المفاهيمي بين الأشكال المتباينة من الإزاحة. إنّ تحويل هذا التمييز إلى تبريرٍ للمعاملة غير المتكافئة التي يتلقّاها الناس وفقاً لأصلهم، هو بالضبط ما تفعله حتى وسائل الإعلام التقدمية المُعلَنة في أوروبا.

ليس من المستغرب إذاً أن تستنكر الحركات الاجتماعية المناهضة للعنصرية هذه المعاملة المزدوجة التي تظهر فيها سياسة أوروبية تمييزية واضحة. فَهُم، بينما يعبّرون عن تضامنهم مع الشعب الأوكراني، اختاروا سياسة النعام في ما يتعلّق بالنزوح من أفريقيا والشرق الأوسط على وجه الخصوص، وبعضها نتج أيضاً من النزاعات المسلحة، كما في حالة الصومال والعراق واليمن، وإريتريا وليبيا وسورية وأفغانستان ومالي، من بين دول أخرى. على الرغم من أنّه بطريقة متباينة، لا ينبغي أن نفكّر في مواقف أُخرى معقّدة مماثلة وليست أقل قسوة، على سبيل المثال، مذابح المدنيّين في ميانمار أو كولومبيا أو احتلال فلسطين من قبل كيانٍ لصٍّ، لصياغة سياسة لجوء أوروبي مضياف يستجيب لنزف عصرنا.

جعلُ الانتماءات سبباً لعدم المُساواة في اللجوء جريمة

وبالاقتراب قدر الإمكان من المفارقات، فحيثُ تكرّس الصور التلفزيونية لوسائل الإعلام الرئيسية مساحةً إعلامية غير عادية لإظهار التضامُن الأوروبي مع الأوكرانيين المشرّدين، فإنّها بالكاد تقدّم وصفاً لسوء المعاملة المنتظم الذي يحدث في الحدود الجنوبية للبلاد، إسبانيا، أو ما هو أسوأ، ولا تتردّد في تصنيف "غزو" الوصول غير النظامي إلى الأراضي الإسبانية من وقت لآخر. أو بلجيكا كمثال مُمَكيَج أكثر من بلد سرفانتس.

إنّها بالطبع ليست مسألة إنكار الخصائص الملموسة في عمليات النزوح، بشكلٍ أو بآخر في طوعية تصرّف. ومع ذلك، فإنّ جعلَ هذه الخصائص الخاصّة سبباً لعدم المُساواة في المعاملة، أمرٌ تمييزي بالمُطلق. علاوةً على ذلك، إذا كان هذا التمييز مرتبطاً بشكلٍ مشبوهٍ بالتقارُب الإثني - العرقي مع شعبٍ أوروبيٍّ آخرَ، فإنّ الاشتباه في العنصرية يُقدَّم جهاراً نهاراً، ودون حياءٍ أوروبيٍّ قارّيٍّ، هذه المرّة. إنّ الإصرار على "استثنائية" القضية جزءٌ من حجّة الاتحاد الأوروبي، لإضفاء الشرعيّة على التسهيلات التي يقدّمها إلى السكّان المدنيّين الأوكرانيّين، للانتقال إلى دول أوروبية أخرى، مع الاستمرار في رفض سكان الجنوب المتأثرين بظواهر مماثلة.

في الواقع، الاتحاد الأوروبي عنصري بامتياز.

وهنا تُظهر السرعة التي أُدير بها استقبال الأوكرانيين مع الافتقار إلى الإرادة السياسية لمعاملة جميع الأشخاص المهجرين قسراً على قدَم المساواة، بغضِّ النظر عن أصلِهم أو رأيهم السياسي أو مجموعتهم الاجتماعية أو عرقِهم أو لونِهم أو حتى توجّههم الجنسي. بالمقابل، هناك نقطة واضحة: بينما تُنشَّط أجهزة الطوارئ، وتُسرَّع العمليات الإدارية، بحيث يُسمَح للأشخاص من أوكرانيا بالعمل على الفور، ويكون الرأي العام ميّالاً بشكل إيجابي نحو "الاستقبال الإنساني"، حيثُ يحصّل اللاجئ 1500 يورو شهرياً، في بلجيكا، مع بيت سوسيال، وفرصة عمل فوري، بينما سواه من اللاجئين أمثالنا، يحصل على يورو واحد ونيف من السنتات في مخيّمات اللجوء، كمصروف يومي.

كاتب هذا السطر مثلاً، جمع في ثلاث سنوات ونيف من المكوث في المخيم، أكثر من 231 يورو بشكل متفرّد واستثنائي، ولله الشكر. إنها تحويشة العمر فوق البرّ الأوروبي الفلاندري الأبيض جدّاً.

هل تواصل الدولة هنا، في بلجيكا، كما الإسبانية هناك، عرقلة ممارسة الحق في اللجوء، عندما يتعلّق الأمر بمجموعاتٍ أُخرى من النازحين. هذه جريمة مقارنة، خاصة إذا أخذ المرء في الاعتبار أنّ طالب اللجوء، عند قبولِ طلبِه للمعالجة من قِبل الإدارة العامّة، عليه الانتظارُ لمدّة 6 أشهر على الأقلّ للحصول على تصريح عمل، وغالباً ما يكون أكثر من عام لمعرفة ما إذا كان القرار مواتياً أو لا؟


* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا

موقف
التحديثات الحية
المساهمون