رغم الدور الكبير الذي تلعبه الرياضة في حياة المجتمعات منذ بدايات القرن العشرين على الأقلّ، إلّا أن هذه الممارسة لم تدخل حيّز الاهتمام في العلوم الاجتماعية، وفي الأنثروبولوجيا على وجه التحديد، إلّا في وقت متأخّر من القرن؛ حيث يُعَدّ كتاب كيندال بلانشار وأليس تايلور تشيسكا، "أنثروبولوجيا الرياضة: مقدّمة"، الصادر عام 1985، أوَّل عمل متكامل يُخَصَّص لهذا الموضوع.
مع تعاظم دور الرياضة في الحياة اليومية بدءاً من نهايات القرن الماضي، وتحوّلها إلى حصّة شبه يومية حاضرة على شاشات التلفزيون وفي الصحافة وفي اهتمامات الأجيال الشابة ونقاشاتها، راحت المنشورات حول الرياضة تتصاعد، وصار يمكننا الحديث عن توافر مكتبة حول مختلف الممارسات الرياضية ــ ولا سيمّا كرة القدم ــ في العديد من اللغات الغربية، وحتى العربية.
عن منشورات "روبير لافون" في باريس، صدر حديثاً كتاب "هل الرياضة لُعبة؟"، وهو عبارة عن سلسلة من الحوارات التي يُجريها الكاتب والناشر فرنسوا ليفونيه مع عالِم الأنثروبولوجيا الفرنسي، فيليب ديسكولا، الذي يشغل كرسيّ "أنثروبولوجيا الطبيعة" في "كولّج دو فرانس".
على السؤال الأساسي الذي يطرحه الكتاب (هل الرياضة لُعبة؟)، يقترح ديسكولا إجابةً مقارنة، حيث يشير إلى أن الرياضة، في العديد من المجتمعات الأمازونية، هي بالفعل لُعبة. ففي قبائل مثل الأشوار الأمازونية، تُعَدّ كرة القدم، على سبيل المثال، "نشاطاً للمحاكاة والتعلُّم، يمارسه الأفراد في طفولتهم ومراهقتهم".
الأمر مختلفٌ في المجتمعات الغربية، كما يلاحظ الأنثروبولوجي، حيث تحوّلت الرياضة، وكرة القدم على وجه التحديد، إلى "منافسة" و"مسابقة" أكثر من كونها مجرّد لعبة للتسلية، بحيث صار الهدف هو الفوز الفردي، أو الجماعي، ضد الآخر؛ وهي صفةٌ غير حاضرة بالضرورة في فهم مجتمعات أُخرى للرياضة.
ويُعيد ديسكولا بدايات هذا الفهم الغربي للرياضة إلى فرض المدارس الإنكليزية لكرة القدم معايير تقنية وتنافسية على متعلّمي هذه الرياضة. كما يلعبُ دوراً في هذا الفهم كلٌّ من الثقافة الفردانية والتملُّكية التي يعرفها الغرب منذ مطلع الحداثة، وانتشار ثقافة الاستهلاك، وسيطرة معايير السوق على الأحداث الرياضية، ولا سيما تلك التي تشهدها بلدان أوروبا الغربية.