خلال فترات متفرّقة من السنة الماضية، أطلقت وزارة الثقافة الجزائرية ثلاث مجلّات ثقافية ورقية: مجلّة عامّة باسم "انزياحات" في البداية، ثم أخرى متخصّصة في التراث باسم "لجدار"، ثمّ ثالثة خاصّة بالفنون باسم "فنون". ولأنّ الساحة الثقافية ظلّت فارغة من المجلّات طيلة عقود، باستثناء بعض التجارب التي توقّفت في عددها الأوّل أو الثاني، فقد بدا أنّ هذه الموجة المفاجئة تعكس نهماً للإصدارات الورقية أكثر ممّا تنبع من خطّة ثقافية مدروسة؛ خصوصاً أنّ إصدار المجلّات الثلاث اقتصر على الجانب الورقي ولم يتعدّه إلى الفضاءات الافتراضية من خلال مواقع تُوفّر نسخاً إلكترونية لها، إضافةً إلى أنّها لم توزّع على الإطلاق.
ورغم أنّ وزيرة الثقافة، مليكة بن دودة، اعتبرت - خلال إطلاق "انزياحات" في نيسان/ إبريل الماضي - أنّ رهان المجلّة يتمثّل في استمراريتها، إلّا أن الأشهر القليلة اللاحقة أظهرت أنّ مصيرها لم يكن أفضل من مصير العشرات من المجلّات التي أُصدرت منذ استقلال البلاد مطلع ستّينيات القرن الماضي؛ إذ توقّفت في عددها الرابع، وسط حديث عن تحضيرات لإعادة إطلاقها خلال الأسابيع المقبلة.
قبل أيام، انضمّت مجلّة جديدة إلى المجلّات الثقافية التي تُصدرها مؤسّسات رسمية في الجزائر. يتعلّق الأمر، هذه المرّة، بمجلّة شهرية تحمل عنوان "فواصل"، أصدرتها صحيفة "الشعب"؛ وهي أقدم يومية جزائرية ناطقة بالعربية في الجزائر المستقلّة، إذ يعود تاريخ تأسيسها إلى العام 1962.
تضمّن العدد التجريبي، الذي صدر الإثنين الماضي، ملفّاً حول جائحة كورونا بعنوان "تأمّلات في زمن الجائحة"، ضمّ مقالات لباحثين وكتّاب وصحافيّين؛ من بينهم أسامة إفراح الذي كتب مقالاً بعنوان "نحن وكورونا.. الصدمة وما بعد الصدمة"، وبومدين بوزيد بمقال عنوانه "كوفيد 19 والهوية: العلم والتأويل الجديد للدين والقيم"، وعبد الرزاق بلعقروز بمقال عنوانه "الثقافة والجائحة: ماذا قدّمت الثقافة لإنسان الحجر الصحّي؟"، ووسيلة عيسات التي كتبت عن "المجتمع الجزائري في ضوء تفشّي جائحة كورونا - قراءة سوسيولوجية"، ومحمد مرواني الذي كتب عن "جائحة كورونا.. أي دور لاتصال الأزمات؟".
ومن المواضيع التي تضمّنها العدد أيضاً: "محمد أركون: إعادة بناس في مسألة الاستقلال وإشكالية الامازيغية" لليامين بن تومي، و"عنّابة.. مدينة العشق والنشوة" لبومدين بلكبير، و"مولود قاسم نايت بلقاسم: فيلسوف الإنية"، إلى جانب حوار مع الروائي والمترجم الجزائري محمد ساري أجرته معه نوّارة لحرش.
وفي المسرح، كتب محمد بن ساعو عن "التاريخ والمسرح" وأحسن تليلاني عن "صناعة الفرجة في المسرح الجزائري: المعالم والأعلام". وفي باب قراءات، كتب عبد القادر ضيف الله عن "حوارية توجهات الخطابات الأدبية في كتابات الحبيب السايح". وتحت عنوان "دفاعاً عن المسلمين"، ترجمت ف. ياسمينة بريهوم مقطعاً من كتاب "من أجل المسلمين" للصحافي الفرنسي إيدوي بلينيل. كما تضمّن العدد مجموعة من النصوص الشعرية والقصصية، إضافة إلى صفحة خاصّة بجديد الإصدارات الأدبية، وأُخرى خاصّة بالأخبار الثقافية.
وفرة في إطلاق المجلّات الورقية يقابله نقصٌ فادح في التوزيع
في حديثه إلى "العربي الجديد"، يقول رئيس تحرير "فواصل"، الكاتب والصحافي الخيّر شوار، إنّ المجلة تأتي ضمن مشروع بدأته مؤسّسة "الشعب" في حزيران/ يونيو الماضي، ويهدف إلى "إعطاء روح جديدة لها"، موضّحاً أنَّ المشروع يُعوّل على صحافة متخصّصة تتوزّع بين الورقي والرقمي، مضيفاً: "ضمن هذا السياق، أصدرنا ثلاث مجلّات إلى الآن: الأولى اقتصادية، والثانية تُعنى بالتنمية المحلية، والثالثة تُعنى بالثقافة. وعلى خلاف الأولى والثانية، فإنّ المجلّة الثالثة هي خدمةٌ ثقافية غير ربحية".
ما الذي تضيفه المجلّة الجديدة إلى المجلّات الثقافية الموجودة في الساحة اليوم؟ وهل من ضمانات لاستمراريتها؟ يجيب شوار بالقول: "نُراهن في "فصول" على ثنائية الجودة والاستمرارية. ولئن كانت لا تتوفّر على إعلانات وفي ضوء مشكلات التوزيع المزمنة في الجزائر، فهي تُعوّل على ربط علاقات مع الوزارات المختلفة بهدف توزيع أعدادها عبر دُور الشباب ودُور الثقافة والمكتبات الجامعية".
ويختتم المتحدّث بالقول: "نُدرك أنّ المشكلة ليست في إصدار المجلّات؛ فقد تعدّدت التجارب في هذا الجانب، وإنما المشكلة الكبرى تمكن في انتظام الإصدار والاستمرار، ولا حلّ إلا بإيجاد مواد مالية تُغطّي النفقات بعيداً عن المصادر التقليدية، ثم الانفتاح على كلّ الطاقات الثقافية في البلاد وخارجها لضمان جودة دائمة".