فقدان الاتصال بمفهوم الإنسانية

27 مارس 2023
بشيرة التريكي يوعزيزي/ تونس
+ الخط -

من أكثر التأثيرات المُحدّدة للتقدّم التكنولوجي في الاتصالات، هي الطريقة التي يجري بها التلاعُب بنا من قِبل وسائل الإعلام، بهدف خَلْق مسافة عاطفية معقّمة في بيئتنا، في ما يتعلّق بالأفعال العُدوانية من قبل الدُّول.

يركّز هذا النوع من الحفلات الموسيقية التي جرى ضبطها جيّداً، والتي تستهدف جماهير كبيرة بشكل خاصٍّ، على إعطاء طابع الحتمية لمأساة المجتمعات البشرية التي لا حول لها ولا قوة، مثل أولئك الذين يعيشون في بيئة حرب أو أولئك الذين يهاجرون لإنقاذ حياتهم.

هذا التكتيك يدفع المُشاهِد إلى افتراض ذلك الواقع المتجسّد في الصُّور، كما لو كان ينتمي إلى عالم بعيد وغريب.
العالم واسع وأجنبي -وفقاً لسيرو أليغريا- لكنِ اتَّضح أنه غريب أكثر من كونه واسعاً بكثير.

النساء والأطفال وكبار السن كلّ هؤلاء ضحايا للنظام الرأسمالي

بمهارة ميكافيلية، فإنّ سيل المعلومات -وقبل كلّ شيء، المعلومات المُضلِّلة- يخلق كوناً موازياً، حيث يُفترض أن تركيز الثروة والسلطة في أيدي كيانات غير قابلة للتحقيق، هو إنجازٌ وليس انحرافاً عن النظام الذي يحكم الأنا والنحن. 
على المنوال نفسه، تعزَّز الانتكاسة من حيث الحقوق المدنية وحماية القطاعات الأضعف: النساء والأطفال وكبار السنّ والشعوب الأصلية وذوي الإعاقة، من خلال تدابير تعسّفية وتمييزية في السرّ والعلن.

في عقدٍ تقدَّم بالفعل في القرن الجديد، جرى الحفاظ على الطريقة الأبوية الهجومية والصريحة، التي يجري من خلالها الحفاظ على السياج ضدّ حقّ المرأة في إدارة حياتها الإنجابية، وفقاً لمعاييرها الخاصة، أو الصمت المحيط بالممارسات المعادية للمرأة في الولايات المتحدة؛ هذا الذي يحكم عليهنّ وعلينا بحالة من الإهانة والتهميش.

ولتطبيع هذه المعاملة، يلجأ الرأسماليون عادة إلى قوانين مخالفة للاتفاقيات والمعاهدات الدولية المُلزِمة، مثل تلك التي تهدف إلى حماية حقوق الإنسان ومكافحة التمييز.

كما يحدث شيءٌ مشابه في ما يتعلّق بالطفولة، والتي يستمرُّون في التعامُل معها على أنها منتَج ثانوي وليس كقطاعٍ ذي أهمية قصوى. وعليه، يُترجم تأثير التلاعب بالوسائط أيضاً إلى تجريد من واقع الآخرين. وهذا يعني، مخدِّراً مثالياً للضمير، عندما تتلقّى الضربة من مدينة أخرى، في خطّ عرض بعيد على ما يبدو.

هذا التحوّل إلى "لا نهتمّ"، لا يؤثّر فقط على ضعفٍ أكبر تجاه الإجراءات المماثلة التي تؤثّر فينا، بل يؤثّر أيضاً في فقدان الاتصال بمفهوم الإنسانية هذا، ومع ذلك، فإننا عادة ما نلجأ إليه عندما نكون نحن الذين نتلقّى الضربات.

إن النظام السائد في نصف الكُرة الأرضية لدى الغرب الليبرالي الجديد، الرأسمالي والموجَّه نحو تركيز الثروة في أيدي قلّة من الناس وفقدان الحقوق الفردية، له خصائصه المميزة؛ وهي فرض أسلوب حياة قادر على مَنع أو إعاقة كلّ عمل جماعي، مع الحفاظ على المواطنة التي ترتكز على البقاء، بفضل عدم اليقين بشأن عمل الناس وحقوقهم وإمكانياتهم للتقدّم. وبالتالي، فإنّ المصلحة الأساسية لمن يتحكّم في المعلومات ووسائل نشرها، تتركّز على الصمت والامتثال، وهو ما يمثّل أساس النظام، ويضمن صلابته.

إنّ هذا يتيح لهم مساحة مميّزة لمواصلة خططهم في التوسّع الاقتصادي للشركات، والتأثير على السياسة العالمية، بفضل التلاعُب المالي الخبيث والماهر، ومن تلك المنصة، يبزغ القرار الأحادي الجانب بشأن حياة الآخرين، كمهمّشين.


* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا

موقف
التحديثات الحية
المساهمون