فرانكفورت.. محاوَلة طلّابية لـ"إنهاء الاستعمار في الجامعة"

14 يونيو 2024
جانب من مظاهرة في فرانكفورت دعماً لفلسطين، 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في الجامعات الأوروبية، يُلاحظ تركيز العلوم الإنسانية على المحتوى الغربي، مما يُقلل من قيمة المساهمات الثقافية والتاريخية الأخرى.
- حملات طلابية مثل "جامعة غوته" تسعى لمقاومة المركزية الأوروبية وتحدي الهيمنة الثقافية الغربية، معتبرةً إياها استمرارًا للقوى الاستعمارية.
- "إنهاء الاستعمار في الجامعة" تنظم فعاليات تركز على مقاومة الاستعمار والعنصرية، مع التأكيد على أهمية النضال الفلسطيني وتوسيع نطاق البحث الأكاديمي ليشمل منظورات أكثر شمولية.

من أكثر ما يلفت نظر الطلّاب الجُدد في الجامعات الأوروبية، وخصوصاً عند دراسة العلوم الإنسانية، هو الاستخدام غير المتوازن لمصطلح "عالمي"؛ فعند دراسة "الأدب العالمي"، يكتشف الطالب أنّ المادّة تتحدّث في الغالب عن الأدب الغربي أو الأوروبي بلغاته الأساسية من إنكليزية وفرنسية وإسبانية. ينطبق ذلك، أيضاً، على "التاريخ العالمي"؛ حيث تُلخَّص عصور الحضارات القديمة، في مصر وما بين النهرين، في بضع صفحات، ثمّ تبدأ الاستفاضة في شرح التاريخ اليوناني - الروماني، ثمّ ما يُسمّى العصور الوسطى، مروراً بالتاريخ الحديث والمُعاصر.

تزداد الأمور فجاجةً عند الحديث عن الفلسفة والعلوم، فيُختصر تاريخ الذكاء البشري كلُّه في نهضة اليونان الفلسفية خلال العصور الكلاسيكية وكأنّها طفرة، من دون توضيح لسابقاتها والأشياء التي بُنيت عليها، ثم تُتبع بعصر يغلب فيه اللاهوت على كلّ شيء، وتغيب العقلانية والتجربة، حتى يظهر غاليليو وإسحاق نيوتن ويبدأ عصر الأنوار، حين طوّع الإنسان المادّة و"أدرك" أنّ كلّ شيء ما عداها باطل.
 

مفهوم تحتلُّ أوروبا صدره وعجزه

مهما طالت النقاشات في الصفوف، وتنوّعت عناوين المحاضرات، وكثرت المصادر المُتاحة والموضوعات المطروحة، يظلّ هذا الملخّص المبتور هو التصوّر الأقرب للتشكُّل في ذهن طالب في جامعة أوروبية، وهو يرتّب جدوله الدراسي من فصل إلى آخر. فنظرةٌ سريعة على أيّ تخصّص من علم الاجتماع إلى التاريخ إلى الأدب المقارن تُظهر التزام المعاهد الدراسية بهذه السردية الجامعة، وانجرار الأكاديميّين والباحثين خلفها، وبذلك يبقى مفهوم العالمية مفهوماً تحتلّ أوروبا صدره وعجزه، وأيّ بحث في ثقافة أُخرى وحضارة أُخرى يبقى جزءاً من الهامش، وحركةً في الأطراف. 

ترى في فلسطين أهمّ ميادين النضال العالمي ضدّ الاستعمار

لكن كيف تكوَّنت هذه الرؤية؟ ولماذا لا تزال تُسيطر على المشهد الثقافي والأكاديمي في أوروبا، حتى بعد عقود من وجود نشاط عدد كبير جدّاً من طلّاب وأكاديميّين من ثقافات غير أوروبية؟ عن هذا السؤال تُجيب حملةٌ طلّابيّة نشطت منذ بضعة أشهر في واحدة من أشهر جامعات ألمانيا، وهي "جامعة غوته" في فرانكفورت، حيث تأسّس تنظيم طلّابي باسم "إنهاء الاستعمار في الجامعة"، هدفُه الرئيسي هو "التحرّر من المركزية الأوروبية ومواجهتها النشطة"، وذلك من خلال "التمحيص في عملية إنتاج المعرفة والتأكيد على أنّ المعرفة الغربية ليست المتفوّقة ولا الشاملة".

ويعتبر الطلّاب المنخرطون في المجموعة أنّ المشهد الثقافي العالمي محكوم بمركز مُتسيّد مبنيّ في الأساس على تراتبية عرقية وطبقية وجندرية، ويرون في هذه البُنى "استمراراً للقوى الاستعمارية التي تُشكِّل العالَم إلى يومنا هذا"، وبالتالي تُلاحَظ هذه الظاهرة ليس في الجامعات الأوروبية وحدها، بل حول العالَم وفي كلّ الجامعات المرتبطة أكاديميّاً بالجامعات الأوروبية، أو التي تستند إليها كمصدر للمعرفة والبحث العلمي.


فلسطين في قلب النضال العالمي 

في أولى نشاطاتها الميدانية نظّمت مجموعة "إنهاء الاستعمار في الجامعة"، يومي الجمعة والسبت الماضيَين، مع عدد من المنظّمات والمجموعات الطلّابية والثقافية الأُخرى فعالية بعنوان "مقاومة الاستعمار"، ركَّزت فيها على أوجُه محاربة الاستعمار والإمبريالية والعنصرية، وذلك بتنظيم حصص وصفوف لاستعراض ومُناقشة المبادئ الأساسية لنظريات ما بعد الاستعمار، بالإضافة إلى عَقْد مجموعة من الورشات لبحث حركات التحرُّر المُعاصرة ومجال نشاطها وكفاحها، متبوعةً ببرنامج ثقافي من عروض موسيقية وفنّية وأفلام.

تركيزٌ على أوجُه محاربة الاستعمار والإمبريالية والعنصرية

وتضمّنت الورشات مناقشة كتاب "الاستشراق" للمفكّر الفلسطيني إدوارد سعيد، وأُخرى لكتاب "بشرة سمراء، أقنعة بيضاء" لفرانز فانون، بالإضافة إلى ورشة عمل للبحث في مصطلح "استعمارية القوّة" لهانيبال كيخانو، كما جهَّز الطلّاب زاوية للقراءة وتبادُل الكُتب، حيث طلبوا من الزوّار إحضار كُتب يرونها حَريّة بالمطالعة لتبادُلها وتصفُّحها أثناء وجودهم في الجامعة. 

ومن القضايا المُعاصرة التي تضمّنها البرنامج: العنصرية ضدّ المُسلمين في الغرب، ونضال الشعب الفلسطيني، بالإضافة إلى محاضرة عن الهوية الأمازيغية في شمال أفريقيا. كما نظّمت مجموعة "بلاك باور" للطلّاب الأفارقة عدّة جلسات عن التحدّيات التي تمرّ بها شعوب أفريقيا في ظلّ الاستعمار الجديد.

وهدفت هذه المُناقشات، بحسب المُنظِّمين، إلى الكشف عن عجز البيئة الأكاديمية الحالية في دراسات مكافحة الاستعمار، وفي متابعة حركة التغيير والثورة العالميَّتين، كما هدفت أيضاً إلى تزويد الطلّاب بأُطر ونظريّات وأدوات يبنُون عليها بُحوثهم الأكاديمية لتكون أكثر شموليّةً وإنصافاً.

وفي ضوء تزايُد النشاط السياسي في الجامعة مؤخّراً، خصوصاً الفعاليات المُندّدة بحرب الإبادة في غزّة والمُتضامنة مع الشعب الفلسطيني، ترى مجموعة "إنهاء الاستعمار في الجامعة" في هذا النضال واحداً من أهمّ ميادين النضال العالمي ضدّ الاستعمار، فقد حاولت الجامعة مُجدَّداً التضييق على الحملة بمنع الطلّاب من استخدام منشآت الجامعة من غُرف وقاعات، ليُقرّر الطلّاب الاكتفاء باستخدام ساحات الجامعة ومساحاتها الخضراء، بحسب بيانهم الصحافي، إذ تُعدّ جُزءاً من الملكية العامّة المتاحة للجميع.

وأكّد الطلّاب أنّ ظاهرة المُضايقات تتزايد بشكل كبير داخل الجامعة، وعبّروا عن شعورهم بالخيبة من إعراض كثير من زملائهم وحتى أساتذتهم عن المشاركة في الفعالية، مشيرين في بيانهم إلى أنّ عدداً من الطلّاب والأساتذة أبدَوا خلال محادثات خاصّة جرت معهم تخوّفهم من الطرد أو الفصل من الدراسة إذا هُم تحدّثوا في موضوعات مثل اضطهاد الشعوب والتحرُّر من الاستعمار، وقلقهم من اتّهامات قد تُوجَّه إليهم من مؤسّسات أكاديمية أو إعلامية.
 

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون