أشار الباحث والمؤلّف الموسيقي اللبناني غسّان سحّاب إلى أنه لا يمكن الحديث عن تراث موسيقي فلسطيني بمعزل عن التقاليد المشرقية، في بلاد الشام، كونها تقاليد واحدة تشترك بالنمط الموسيقي نفسه، واللغة الموسيقية كذلك.
وفي محاضرته "مدخل إلى التقاليد الموسيقية في فلسطين" التي قدّمها في "الجامعة الأنطونية" مساء الخميس الماضي مقاربة تاريخيّة عن الموسيقى الفلطسنية من عصر النهضة العربية إلى الحاضر، مضيئاً النظام الموسيقي المُعتمَد وأبرز القوالب والأشكال الموسيقية، والموسيقيين من مطربين وعازفين وملحّنين من فلسطين التاريخية والشتات، الذين أسهموا في بلورة هوية موسيقية فلسطينية.
في حديثه إلى "العربي الجديد"، بيّن سحّاب أن الموسيقى هي لغة من دون كلام؛ لغة لها نظامها النحوي وقواعدها ومفرداتها وأبجديتها، ما ينطبق على موسيقى بلاد الشام التي تنقسم إلى نوعين هما موسيقى فنية نهضت منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وكانت القاهرة وحلب أبرز حاضرتين في هذا المجال، وموسيقى شعبية كانت منتشرة في جميع المدن والقرى.
وتطرّق إلى خصائص هذه الموسيقى بوصفها موسيقى مقامية، وأحادية تعتمد على لحن واحد، وطريقة العزف فيها مبنية على الارتجال والإيقاعات الترجيعية، وهي بعيدة عن النمط الغربي متعدّد الأصوات الذي فُرض على الموسيقى العربية وغدت كل الآلات تُعزف على نحو متشابه.
ولفت سحّاب إلى أن الحضور الموسيقي للمدن الفلسطينية بدأ منذ مطلع القرن العشرين، حيث أصبحت منافسة لحلب والقاهرة، وخاصة بعد تأسيس "إذاعة القدس" في منتصف الثلاثينيات، والتي استقطبت العديد من الفنانين العرب، وعكست الموسيقى في فلسطين تأثّرها بمحيطها الشامي والمصري، مستشهداً بنماذج مثل أحمد الشيخ وروحي الخماش وغيرهما.
وأوضح أن الموسيقى الشعبية تستند إلى القوالب في بلاد الشام، حيث تصبح الأغنية هي القالب مثل "الدلعونا" التي تأخذ لحناً واحداً ونفس القافية الغنائية، لكن يتغير المضمون وفق المناسبة التي تقدّم فيها، كأغاني الحب أو أغاني الأرض والزرع والحصاد، أو أغاني الأعراس والمرتبطة بالولادة أو الحزن، مشيراً إلى أنه بعد النكبة ارتبطت الأغاني بالمقاومة والتحرير، وتحدث بعضها عن التهجير.
وتوقّف سحّاب عند الدور الذي لعبه الموسيقيون الفلسطينيون الذين هُجّروا من بلادهم عم 1948 في رفع سوية الفرق الموسيقية في بلدان اللجوء، من خلال عملهم في إذاعات بيروت والشام وبغداد، وكذلك الألحان التي قدّمتها فرق الفصائل الفلسطينية خلال الستينيات والسبعينيات، مبيناً أنه بعد توقيع "اتفاقية أوسلو" عام 1993، ظهر اتجاه ذهب نحو التغريب مثل "ثلاثي جبران"، وآخر تبنى النمط التقليدي نفسه، ومنها فرقة "جلسات" تحت مظلة "مبادرة مِعزف" والفنانة دلال أبو آمنة.