يتيح "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" على موقعه الإلكتروني مجموعة من الأوراق والكتب لتحميلها إلكترونياً في الذكرى الثالثة والسبعين للنكبة الفلسطينية، ومنها "ذاكرة المكان: أسماء المدن والقرى الفلسطينية ما بين الاستمرارية التاريخية والطمس الصهيوني" لمحمد مرقطن، و"اللغة العربية في النظام الصهيوني - قصّة قناع استعماري" لإسماعيل ناشف، و"داخل السور القديم: نصوص قاسم الريماوي عن الجهاد المقدّس" لـ بلال شلش، وغيرها.
في تقييم الحالة الصادر في تموز/ يوليو 2018 بعنوان "قانون القومیة: كم مرّة سوف يعلنون قیام إسرائیل؟"، يشير المفكّر عزمي بشارة إلى أن قانون القومية التي أقرّته دولة الاحتلال لا يشتمل على التعبير الذي تُستَهلّ به جميع "قوانين الأساس" (أي القوانين الدستورية بحسب التسمية الإسرائيلية) وهو "إسرائيل دولة يهودية ديمقراطية"، فكلمة "ديمقراطية" لا تظهر في هذا القانون إطلاقاً.
ويوضّح أن ذلك يعني التركيز على الجوهر اليهودي للدولة حصراً، إذ "يعتقد جميع أصحاب هذا القانون ومؤيّدوه أن دولة إسرائيل في جوهرها دولة يهودية، وفي طابعها فقط ديمقراطية، والطابع متغيّر بالتأكيد خلافاً للجوهر، ويجب أن يخضع لهذا الجوهر، أو ما يمكن اعتباره "الرسالة الصهيونية الأبدية" لدولة إسرائيل، وهدف قيامها".
ذا كان القانون في غالبية بنوده بيانيّاً إعلانيّاً (Declarative)، فكم مرّة سوف يعلن قيام إسرائيل؟
كما يرى بشارة أن تردّد نتنياهو لصالح حسم القانون بات يمكن تجاوز بسبب الأجواء الإقليمية والدولية مع الصعود الملحوظ لخطاب القومية الشعبوية اليمينية في أوروبا، وكذلك فإن العامل المتعلّق بتوقيت التشريع بعد خمس سنوات من طرح القانون مردّه التآكل في الموقف العربي وتهاون دول عربية مع مثل هذه التشريعات والممارسات الإسرائيلية.
ويلفت إلى أن معارضي القانون ومؤيديه أكدوا أن "عناصر القانون الرئيسة موجودة في ما يُسمّى وثيقة الاستقلال، مع ملاحظة أنّ تأكيد المساواة للمواطنين العرب قائم بالوثيقة وغير قائم في القانون"، متسائلاً أنه "إذا كان القانون في غالبية بنوده بيانيّاً إعلانيّاً (Declarative)، فكم مرّة سوف يعلن قيام إسرائيل؟ ولماذا أسقط القانون الذي يتشبّه بوثيقة الاستقلال مبدأ المساواة الوارد فيها".
يقول بشارة إن "إسرائيل تؤكّد وجودها، والاعتراف بوجودها، بينما تعرّض هي وجود الآخرين للخطر، وتصرخ أنها ضعيفة كلما ازدادت قوّة وسطوة، وتؤكّد قانونياً ضرورة الحفاظ على يهوديتها لأنها في خطر، بينما تهمين التوجّهات اليهودية المتطرّفة وتتكثّف الممارسات والتوجهات الصهیونیة لمؤسّسات الدولة. لقد أصبحت نزعة التمسكن عند التمكّن، ولعب الفاعل دور الضحیّة مكوناً بُنوياً في الثقافة السیاسیة الإسرائیلیة. ولا يمكن فصل هذا القانون عن صعود التیارات القومیة والقومیة - الدینیة في إسرائیل، والشعبوية البرلمانية على وجه الخصوص، وتراجع دور النخب اللیبرالیة والعمالیة".
القانون ألغى عملياً تعريفات سابقة قانونية للغة العربية باعتبارها لغة رسمية ثانية
وينبّه إلى أن بنود القانون إعلانية بيانية حول هوية الدولة اليهودية ومهمّتها التاريخية، وهي تشدّد بشكل مفرط على قيم قومية ودينية وعلى التراث اليهودي، مبيّناً أن "مسألة حصر حقّ تقرير المصير في الشعب اليهودي جاءت لتُجهَض، بحسب ما علّله مقدِّمو القانون، حتى مطالبة أي جزء من مواطني إسرائيل بتقرير المصير؛ بمعنى اعتبار أنفسهم جماعية قومية، ومن ثم تحوّل الدولة إلى دول ثنائية القومية".
وبحسب مقالات وتفسيرات جزء من اليمينيين وحتّى الليبراليين المؤيّدين لهم، فإن للشعب اليهودي حقوقاً قومية، أمّا المواطنون غير اليهود فهم يُمنحون حقوقاً مدنية متساوية وليس لهم حقوق قومية، كما يعلّق بشارة الذي يضيء واقع الموطنين العرب الفلسطينيين في "إسرائيل"، حيث "شهدوا نهوضاً مدنيّاً وقومياً منذ منتصف التسيعنيات، أي بعد اتّفاقیات أوسلو التي حصرت قضیّة فلسطین في المناطق المحتلّة عام 1967، ومثّلته طروحات التجمع الوطني الديمقراطي التي أصبحت محلّ إجماع بین النخب السیاسیة والفكرية والجمعیات الفاعلة؛ متمثّلةً بأن المساواة لا يمكن أن تتحقّق إلّا في دولة لجمیع مواطنیها".
ويضيف أن "ردّة الفعل الرسمیة الإسرائیلیة والحزبیة الصهیونیة انسجمت، بشكل عام، مع تدهور النظام السیاسي الإسرائیلي في مجمل فلسطین إلى حالة فصل عنصري (أبارتهايد) تندرج ضمنه "قومية يهودية" صاحبة سیادة، الدولة هدفها وأداتها في الوقت ذاته، وسلطة فلسطینیة فاقدة السیادة وخارج إطار المواطنة تدیر شؤون السكّان وتحافظ على الأمن، تحدیداً أمن إسرائیل، ومواطني درجة ثانیة من العرب داخل الخطّ الأخضر".
ويشير أيضاً إلى أن القانون ألغى عمليّاً تعريفات سابفة قانونية للغة العربية باعتبارها لغة رسمية ثانية في "إسرائيل"، وأنه منح في البند السابع بصراحة ما تراه الدولة "في تطوير الاستيطان اليهودية قيمةً قومية وستعمل على تشجيع بنائها وترسيخها"، موضخاً بأنه ليس في هذا القانون جديدٌ إذا ما قورن بالممارسات التي تقوم بها الحركة الصهيونية ودولتها في فلسطين، ولكنّ هذا لا يقلّل من قيمته على الإطلاق، فثمّة فرق بين ممارسات ناجمة عن سياسات الحكومة والمؤسّسات الصهيونية القائمة وقناعات غالبية الجمهور الإسرائيلي، وبين ترسيخها دستورياً.
ويختم بشارة بالإشارة إلى أن القانون سيصبح الأساس المسلّم به الذي ينطلق منه اليمين الإسرائيلي لتحقيق أيديولوجيته التي تجمع بين القومي والديني وتعتبر أن "إسرائيل" هي دولة أيّ يهودي في العالم قبل أن تكون دولة الفلسطيني، والفرق أن ما يقوله اليمين علناً في وسائل الإعلام وفي خطبه البرلمانیة وفي المزایدات الشعبوية أصبح قانونياً دستورياً، وهذا فرق جوهري.