صوت جديد: مع زهرة القاضي

27 سبتمبر 2023
زهرة القاضي
+ الخط -

تقف هذه الزاوية من خلال أسئلة سريعة مع صوت جديد في الكتابة العربية، في محاولة لتبيّن ملامح وانشغالات الجيل العربي الجديد من الكتّاب. "مقولة 'الجيل الأدبيّ' حاجز أمام الخَلْق والابتكار"، تقول الكاتبة التونسية في حديثها إلى "العربي الجديد".



■ كيف تفهمين الكتابة الجديدة؟

- أفهم من هذا السّؤال أنّه يُوجد نمطان من الكتابة، كتابة جديدة وكتابة قديمة. الفعل الإبداعيّ حاضر في كلٍّ من النّمطين لكنّ المختلف هو كيفيّة تسيير هذا الفعل. يُذكّرني هذا المصطلح "الكتابة الجديدة" بما ورد عند أدونيس في مؤلّفه "زمن الشّعر" فكأنّ للشّعر زمنين، قديم وجديد. في سنواتي الأولى من التّعليم الجامعيّ، قرأتُ مؤلّفاً بعنوان "الإحساس بالزّمان في الشّعر العربيّ" للأكاديميّ عليّ الغيضاوي. الزّمن ينساب في الشّعر، في الكلمة. وإن كنتُ سأعرّف الكتابة الجديدة سأقول: سيلان حلم، كثافة حلم في زمن مُثخن بالأسى. 


■ هل تشعرين نفسك جزءاً من جيل أدبي له ملامحه وما هي هذه الملامح؟

- لا أؤمن حقيقةً بمقولة الجيل الأدبيّ، أنا توليفة، أنتمي إلى القراءات السّابقة والظّروف والأشخاص والأماكن. قد يُشكّل الجيل الأدبيّ حاجزاً أمام الإبداع باعتبار أنّ الإبداع خَلْقٌ وابتكار. إنْ تصفّحنا "لسان العرب"، نجد البديع هو الماء الكثير أو السّقاء الشّديد. أنا أنتمي إلى هذا السّقاء الذي لا تحبطه حدود، يسير على النّصوص سيرَ الحالم بنصّ لم يُخطَّ بعد. 

أعقِدُ صداقاتي مع الكُتّاب بقراءتي النصوص التي كتبوها


■ كيف هي علاقتك مع الأجيال السابقة؟

- في طفولتي، قرأتُ جلّ مؤلّفات الرّعيل الأوّل، أقرأ لأنّ حياةً واحدة لا تكفي. أنتمي إلى الأجيال السّابقة معرفة وفكراً وإبداعاً. لا نتحدّث عن أسبقيّة وإنّما نتحدّث عن أوّليّة، قد يصنّف الكاتب السّوريّ حيدر حيدر من الجيل السّابق لكنّه حاضر فيّ لغة. مؤلّفات حيدر حيدر أعمال لغويّة مميّزة، وأشدّد على لفظ "لغويّة"، لغته لغة بِكْر، تُلامس وحشيّة العالَم والأسى. أسأل أحياناً عن كاتب ترك فيّ أثراً، فأقول ذاك كاتب جيّد، إنّه صاحب لغة. ينساب الزّمن وينساب الحلم، وتنساب اللّغة. 


■ كيف تصفين علاقتك مع البيئة الثقافية في بلدك؟

- العلاقة طيّبة، لا علاقات وطيدة حقيقة. أقرأ النصّوص التي تنشر على وسائل التّواصل الاجتماعيّ، فتُبنى تلك الصّداقات في اللّغة. مارسيل بروست يقول "في القراءة تعود الصّداقة إلى نبعها الأنقى"، وأنا قد عقدتُ أكثر من صداقة عبر نصّ لامَس تُخوم قلبي. من الجميل أن نُصافح النّصوص، وأن نقول: ذاك صديقي، ونصُّه فيَّ. 


■ كيف صدر كتابك الأول وكم كان عمرك؟

- صدفة، تعرّفت إلى مدير "دار نقوش عربيّة للنّشر والتّوزيع"، بادرتُ وأخبرته عن رغبتي في نشر مخطوطي الأوّل. رحّب السيّد مُنصِف الشّابي بالفكرة، وكان الأمر. أرسلتُ له المخطوط الذي حَظِي بالموافقة بعد أسبوعين من المراجعة تقريباً. للتّجربة الأولى فرادتُها وخصوصيّتها، خاصّة في عُمر الواحد والعشرين، عُمر الأحلام وما الأحلام إلّا مادّة الشّعر. اخترتُ عنوان "بتلات" فكان كلّ نصٍّ بتلة، وكانت كلّ بتلة حركة ارتداديّة موجعة ومؤلمة ومربكة. نصوص مشبعة بصدى التّأوّهات والانكسارات والخيبات. 

الصورة
بتلات - القسم الثقافي

■ أين تنشرين؟

- نشرتُ بعض النّصوص في مواقع من مثل "أنطولوجيا"، و"الأوان" وغيرهما. نشرت قصيدة بعنوان "أبي بدويّ" في كتاب جماعيّ صدر عن "دار أبجديّات للنّشر". هذه التّجربة كانت قبل تجربة نشر "بتلات". "أبي بدويّ" هي القصيدة التي أحبّ، صوّرت وحشيّة ريف عَتِيٍّ، وأفول أمومة صارخة. رشّحت هذه القصيدة لـ"جائزة بيت الشّعر" بتونس، وقد حظيت بالجائزة الخامسة من بين خمسة عشر مشاركاً. 


■ كيف تقرئين وكيف تصفين علاقتك مع القراءة: منهجية، مخططة، عفوية، عشوائية؟

- يقول بورخيس: لطالما تخيّلتُ الجنّة مكتبة عُظمى. إنّ علاقتي مع القراءة هي علاقة مجازيّة أساساً. ما ينبغي أن أُشير إليه أوّلاً أنّي مُختصّة في اللّغة واللّسانيّات، أقسّم وقتي بين القراءة الأكاديميّة والقراءة الإبداعيّة. وإنّي أشيد بفضل "جمعيّة عشّاق الكتب" في سوسة التي يرأسها الصّديق حلمي الشّيخاوي، عليّ. نستضيف كُتّاباً وتكون اللّقاءات أشبه بالحلقات. قرأتُ منذ شهرين كتاباً عنوانه "القراءة رافعة رأسها" لعبد السّلام بن عبد العالي. ينتصر الكاتب إلى القراءة الحيَّة الفاعلة لا المُنفعلة. وفعلاً، فأنا كلّما أقرأ، أرفع رأسي فأنصر القارئ.  


■ هل تقرئين بلغة أخرى إلى جانب العربية؟

- نعم أقرأ باللّغة الفرنسيّة إلى جانب اللّغة العربيّة، وأسعى في قادم الأيّام إلى القراءة بلغات أُخرى. 


■ كيف تنظرين إلى الترجمة وهل لديك رغبة في أن تُتَرْجَم أعمالُكِ؟

- قبل سنتين أو أكثر ربّما، تُرجمت قصيدتي "أبي بدويّ" إلى اللّغة الكرديّة، وكان من عظيم سروري أن أقرأ القصيدة بلغة لا آلفها، لكنّي ألفت الإيقاع والتّنغيم. شيءٌ من الشّعريّة لم يُمح، رغم أنّي لا أفقه اللّغة الكرديّة. التّرجمة ليست خلقاً، إنّما هي خلق لنصّ آخر يُباري النصّ الأصليّ. في لقاء مع النّاشر شوقي العنيزي، يقول عبارة ما زال صداها يتكرّر فيّ: "التّرجمة كتابة بيدين اثنتين، يدٌ تتعلّق بالأصل ويدٌ تتعلّق بالتّربة التي سيُهاجر إليها ذلك الأصل". 


■ ماذا تكتبين الآن وما هو إصدارك القادم؟

- أنشغل حاليّاً ببحث لغويّ، أودّ نشر هذا البحث في قادم الأيّام. بحث في اللّسانيّات يهتمّ بالكلمة في بُنيتها. أشتغل أيضاً على نصّ قد فُصِّلت شخصيّاته وأحداثه، أُؤصّل هذا المشروع في جنس التّخييل الذّاتيّ، هذا الجنس السّرديّ المُنفلت الذي يُمايز الأجناس السّرديّة الأُخرى ويصعب القبض عليه. أقول أخيراً إنّي توليفة بين الأكاديمي والإبداعي، وإنّي لساعية في ما بقي من العُمر أن أصقل هذه التّوليفة، لا شيء يصقل سوى القراءة. 



بطاقة

زهرة القاضي، كاتبة تونسية من مواليد عام 2000. تخرّجت من "دار المُعلّمين العُليا" في تونس، قبل أن تنال شهادة الماجستير في اللّغة واللّسانيّات. تعملُ أستاذة تعليم ثانويّ في "المعاهد الثّانويّة العموميّة"، وتشتغل حاليّاً على إعداد رسالة الدّكتوراه "في النّظريّات الصّرفيّة". صدر كتابُها الأول عام 2021، بعنوان "بتلات"، عن "دار نقوش عربيّة للنّشر"، وهو نصّ يجمع بين الشّعر والنّثر.

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون