أنَ تغشى السماءَ الظلالُ، تَضعينَ رأسك، على غيمةٍ خائفة،
وتنقّط الريحُ، الحبر الأسود على أجنحةِ الطيور.
■
لصّ الحانة، صار يداً، تدفع خيل الملك، إلى الساحة الكبرى،
صار كلّ شيء، يفوح بالخيانة، خَبَبٌ، خَبَبٌ، خَبَبٌ!
■
نغَمٌ في مقام البياتي، نغَمٌ في مقام الصبا،
درَجٌ تصعد عليه خيبات المرأة العارية، نغَم في مقام المحيّر.
■
تُمطر السماءُ قبّعات جنرالات ميّتين،
تُمطر السماءُ نجوماً وأوسمة وأشلاء. ظهيرة ساخنة تحت النشيد المَلكي!
■
على كرسي خشبي، قريباً من شجرة الكستناء، يرفرف وشاحُ امرأةٍ عاشقة.
هل كان على قطعة الشوكولاتة، أن تذوب في كفّ طفلة، في طريقها إلى الحقل؟!
■
ما أكثر، أحذية الجنود في ساحة المدينة
ما أكثر، عُلب السردين في علّية الشاعر الحزين!
■
الوادي المجنون، جفّ، المرأة ذات الفستان الأحمر، لم تأتِ،
وحيداً في سيارة ليكزس، يبتسم، رئيس الوزراء ويلوّح بيده.
■
كلّ البحار، التي مرّ بها البحّار المفلوج، تركها في قنينة فودكا،
الأغاني التي كان يعزفها، نسيَها في مرفأٍ اسمُه يحمل الكثير من الكلمات.
■
العَلَم في آخر القارب، بلّلته دموع القتلى،
كانت عيون السمك كبيرة، والحجارة على الشطّ ملساء.
■
لولا لمعةُ الضوء في العينين، ما تعرّف على القتيل.
لولا الوشمُ البارز في ظاهر اليد، ما ركب القطار آخر الليل.
■
كأنه لم يرَ الوجه، في صدر البطاقة البريدية، التي وصلت إليه،
كان يُحصي عددَ الطيور المُختفية، بين أوراق شجرة الخرُّوب.
■
الهمسات الحميمة، اتَّكأت على ظهر الكرسي،
خريفٌ كئيبٌ آخر، سُحُبٌ قصيرةُ الذيول ترحل سريعاً.
■
لم تعد تتعثّرُ الأقدام، عند مدخل المول،
لم يغادر رجل المرور، ظلّ صورة السياسي، الذي يرفع يده الطويلة.
■
لا ترمِ أشجانك في أحضان ساقية الحانة. لقد جاء صاحب البريد
وحرّاس الفجر يجمعون صهيل الخيل، من حقائب العائدين من الحرب.
■
الأحبار في آخر الركن، الشمعتان قبالة المرآة، الخبز المُحمَّص فوق الطاولة.
سيجلس هناك على الأريكة الزرقاء، ستجلس هناك على الكرسي الوحيد.
■
رأيتها مرَّتين! الأولى، في سيرك في طفولة بعيدة،
الثانية، تحمل فوق كتفها سلّة مليئة بالخبز والزيتون، عندها، تيقنتُ أنها ماتت.
■
في الجبل، الدرب أبيض، الحِجارة خضراء، الأنفاس خرساء.
قرب النافذة الغربيّة، تماماً، فوق المزهرية بعروقها الصفراء، تتلامسُ، فراشتان.
■
أكُلُّ هذه، قمصان على جسَد الملك؟
أكُلُّ هذه، الكائنات تنام وتصحو على مائدة الملك؟!
■
قد تكون الأقصرَ بين الخِصيان، لكنّ مشيتَك الأسرع.
ثوبُك الأبيض، ذيلُه تسحبه وراءك كما يسحب النهرُ الطائر الولهان بلا جلبة.
■
هل تذكرُ، كيف رقصنا حول الماء الرقراق؟
كانت عيدانُ القصَبِ الطويلة تُخفي عوراتِنا، متقرفِصين في انعطافة الوادي.
■
طارَ اللقلق من منديل العروس، حلّقَ بعيداً في السماء.
الذين وقفوا هناك، رأوا، كيف اشتعلتِ الشهوات في المرآة وفي الجسد، الريّان.
■
السفينة استوت على زعنفة، الأجساد، ابتلعتها السلطعونات الجائعة.
سهم الصيّاد انغرز عميقاً في قلب الحوت، انغرز عميقاً في قلب الشمس.
■
الغُزاة الذين أتَوا قبل الفجر، أخذُوا المَلك، أخذوا الملكة، وأخذوا صينية الرمّان الأحمر،
أخذوا أجرَانَ القمح وأجرَانَ الذُّرة، ثم علّقوا عيون السمك الملكي على حائط المبغى.
■
كان، على الشاعر أن يترك باب القفص مفتوحاً، حتى يسيلَ الحِبر
وتعلو أصواتُ السكارى بالغناء الشهواني، الشجي.
■
ماذا في الجراب وماذا في السماء، يا رجل؟
ماء، رغيف خبز، عود أراك، وقطيفة فتاة تركتني، في أوَّل الرحلة.
■
لكِ أن تهبّي ما شئت يا ريح، ليس لي إلّا صندل قشٍّ
وفرشاة من سبيب خيل، أرسم بها وجوهاً وحيوانات تضحك.
■
الخيبات أيضا تتمدّد على تجاعيد الكرسي، ترتشف ذكرياته عن العبيد
الذين رحلو مُقيَّدين، وعن الصبايا التائهات في الأحلام الصغيرة.
■
المغنّي الجوّال مُستلقٍ، ليس بعيداً عن شجرة التوت، يُنصت إلى قلبه، يحدّثه
عن البحيرة ذات الحواف الصفراء، وعن حبيبته ذات القِرط الذي يلمع في السماء.
■
ستبقى وردتها مُعلّقةً قريباً من القلب، لقد امتلأتِ العينان بالحيرة والأسى،
طائر أحمرْ- صِدير، صار يخلف مواعيده، وشجرة الخرّوب لم تعد تطرح قرونها الطويلة.
* شاعر من ليبيا