شجرة العائلة

15 يوليو 2022
محمد إحصائي/ إيران
+ الخط -

قال رجاء النقّاش في ستينيات القرن العشرين: إنّه بات يخشى أن يكون نجيب محفوظ قد أضحى عقبةً في طريق الرواية المصرية، والعربية بالطبع، وأن يفرُض ظلّه على الجيل الجديد من كُتّاب الرواية. وتعليلُ ذلك لديه هو أنّ الفنان الكبير في أيّ أدب من الآداب العالمية يشكّل خطراً فنّياً على النشاط الفنّي الذي من حوله، ويعوقه عن الاستمرار، حتى إذا غامرَ أحدٌ من أبناء الجيل الجديد "وكتب رواية فهو لا يستطيع أن يفلت من تأثير نجيب محفوظ". 

بينما نجد الشاعر بابلو نيرودا يقول: "إنّ عالم الفنون محترف كبير يعمل فيه الجميع، ويساعدُ بعضهم بعضاً، وإن لا وجود لروبين داريو بدون جونجورا، ولا لأبوللينير بدون رامبو، ولا لبودلير بدون لامارتين، ولا لبابلو نيرودا بدون هؤلاء جميعاً".

أفكّر بأن أخطر ما واجه الرواية العربية في تاريخها الحديث، منذ نشأتها حتى اليوم، لم يكن وجود الكاتب العثرة، بل غياب الكاتب المُعلِّم، إذ يمكن للروائي أن يكونَ أحد اثنين: إمّا كاتباً مغلقاً لا يجدّد في أساليب الرواية على الصعيد التقني، دون أن يمسّ هذا الأمر قيمتَه الفنّية والفكرية، وفي هذه الحالة لا يشكّل الروائي عقبةً، ولا مُلهِماً، وقد يكون هذا هو حال الرواية العربية التي لم يَظهر بعدُ فيها منطق المعلّم البِنائي في الأشكال، أو الموضوعات. أو أن يكون معلّماً يجترح طرائق جديدة في الكتابة، واقتراحات فنّية وتقنية تغني عالم الرواية، وتضيف إلى تراثها الغني في مجال البناء حلولاً مُمكنة للكتابة الروائية، بعيداً عن أشكال الكتابة السائدة. وفي هذه الحالة يتحوّل الروائي إلى معلّم.

من مشكلات الرواية العربية انقطاع تقاليد الكتابة بين أجيالها

والراجح أنّ واحدة من مشكلات الرواية العربية هي عدم وجود علاقات تأثُّر وتأثير بين أجيالها المتتابعة، أي بعكس ما كان يخشى الناقد النقّاش، ويمكن أن نسمّي ذلك "انقطاع تقاليد الكتابة"، فمن الصعب أن تجد أثراً لنجيب محفوظ، وهو الروائي الأكثر حضوراً وشهرة في الرواية العربية بين الأجيال التي جاءت من بعده. وليس لحنا مينة مدرسة، ولا لعبد الرحمن منيف أو عبد الرحمن الشرقاوي، أو للكوني أو الطيب صالح، ولا لأيّ روائي آخر من كتّابنا المعروفين. ولا يتعلّق الأمر بقيمة الرواية فنّياً، فلدى كلّ روائي من هؤلاء أسلوبٌ خاصٌّ في الكِتابة، قدّم من خلاله أعمالاً ذات سويّة عاليةٍ فنّياً وفكرياً. 

غير أنّ منطق السلالة الفنّية لم يكن موجوداً، وليس لدينا شجرة عائلة فنية بعد، على غرار الرواية في العالم و أميركا اللاتينية. فالرواية هناك سجّلت أرقاماً لافتة في علاقات التأثُّر، ويشار إلى فلوبير مثلاً كمعلّم يسترشد الروائيُّون بنهجه، مثلما يُشار إلى فوكنر الذي ترك تأثيراً لافتاً في رواية أميركا اللاتينية لا ينكره أيّ روائي أو ناقد هناك.

كما أنّ الرواية سجّلت ظاهرةً لافتةً تتعلَّق باستمرار تقاليد الكِتابة في الموضوعات، ومنها العجائبية، والدكتاتور، إذ إنّ تاريخ تلك الرواية يمتلئُ بالنصوص التي تناولت شخصية الطاغية، حتى يبدو وكأنّنا أمام سلسلة روائية يتناوبُ الروائيون، كلُّ واحد من جانبه، ومن تجربته، ومن قدراته، في تناول شخصية الدكتاتور بكلّ تلاوينها.

* روائي من سورية

موقف
التحديثات الحية
المساهمون