روائي أم باحث؟

18 يونيو 2021
جزء من عمل لـ فاطمة مير (1976)
+ الخط -

قد يكون موقف بعض النقّاد في الغرب من الرواية العربية شبيهاً بموقف بعض السياسيين هناك من الثورات العربية، فالسياسيون هناك لا يعترفون بالثورات العربية أو لا يسمونها ثورات، بسبب عدم مطابقتها لدفاتر المواصفات والشروط التاريخية أو الأيديولوجية، ويعتبرونها مجرّد هبّات خاوية يقودها هواة (ولعل ما ذكره أوباما عن صنّاع الثورة السورية واضح الدلالة على مثل هذا الموقف).

لا يستطيع الناقد في الغرب وفي الشرق أيضاً، أن يرى الروائي العربي فناناً أولاً، أو لا يصدق ذلك، بل هو مشروع باحث اجتماعي، أو معارض لوى عنق السياسة ودسها في الصياغة الأدبية. والرواية في هذه الحالة ليست سوى عينة من بحوث علم الاجتماع، أو مشاريع الرد على مخططات الاستعمار. وكل أو معظم ما ينشغل به النقد في الغرب هو دور الكاتب وموقعه في الصراع السياسي والاجتماعي في بلاده، ولا بأس أن يكون قد شارك أيضاً في نقد المؤسسة الدينية. وهناك من يضع انتماء الروائي العربي الديني أو الطائفي، وخاصة إذا كان منتمياً بالولادة إلى إحدى "الأقلّيات"، في رأس أولويات التعريف به. على الرغم من أن هذا الروائي قد يكون علمانياً، أو ماركسياً، أو لا متديناً، بينما لا يهتم النقد الأدبي في الغرب مثلا برأي الفاتيكان في روايات ساراماغو، ويقيم أعماله استناداً إلى نظرية الرواية أولا، لا إلى رأي البابا. 

هل هو نوع من التعالي والعجرفة الثقافية تتغلغل في لاوعي الناقد؟

لم أقرأ بعد في أي مرجع نقدي غربي، أو روسي، وسوفييتي من قبل، أي نقد عن الرواية العربية ينشغل بتقنياتها، أو بما يمكن أن تكون قد أضافته إلى هذا الفن العظيم في العالم. إذ تعتبر الرواية العربية دائماً صدى، ردة فعل، تعبيراً مضاداً، لا فنا مستقلا قادرا على أن يكون قائما بذاته.

لا ننكر أن هموم الكتابة لدى الروائيين في العالم المستعمَر تختلف من حيث الموضوعات والانشغالات عن موضوعات الكتاب والروائيين في البلدان التي شهدت استقرارا اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وروحيا، لا أظن أن روائيا من بريطانيا، أو فرنسا، أو الولايات المتحدة، لديه هموم مثل هموم روائي من مصر أو سورية أو العراق أو ليبيا. ففي حين لم يعد الخبز مشكلة روائية في تلك البلدان، فإن الأهم من ذلك أن الحريات عامة لم تعد هي المطلب الرئيسي بعد أن تحقق جزء كبير منها.

وبالقدر ذاته من الحماسة يدخل الروائي في بلداننا معركة التغيير الاجتماعي والسياسي والقيمي في الدولة والمجتمع، وهو ما يعقّد مهامه في المسائل ذات الطابع الفني أو التقني. ففي حين تبدو قضايا السياسة مباشرة وخطرة أحيانا، فإن وضعها في النص يتطلب مهارات فنية تمنع الإخلال بجوهر الفن.  

أين الخلل؟ هل هو في طبيعة الاستقبال الثقافي؟ هل تسير الثقافة في العالم في خط مواز لخط السياسة؟ وهل هو نوع من التعالي والعجرفة الثقافية تتغلغل في لاوعي الناقد تجاه الثقافات التي استعارت نوعا أدبيا يعتبره خاصاً به؟ ثمة كثير من الاحتمالات في هذا الشأن، خاصة أن تلك الثقافات لا تستطيع أن تتخذ مثل هذا الموقف مع الشعر العربي.


* روائي من سورية

موقف
التحديثات الحية
المساهمون