طيلة عقود، ظلّ الفنّان التشكيلي العراقي، غازي السعودي، مرجعاً أساسياً في فنّ الجداريات، وهو الذي وقّع عدداً منها تُزيّن ساحات ومَعالم في بغداد، مثل جداريَّتيه: عند مدخل متنزَّه الزوراء، وتلك المُنجَزة على أحد الجدران الخارجية لـ"المتحف البغدادي".
عن ثمانية وثمانين عاماً (1935 ــ 2023)، رحل غازي السعودي يوم الخميس الماضي، دون إثارة جَلَبة، تماماً كما كانت تجربته التي بقيت لعقود على هامش الأضواء، رغم وجود علاماتٍ مضيئة منها في العديد من الفضاءات العامّة في بغداد وغيرها من مدن بلده.
بعد دراسته في "معهد الفنون الجميلة" ببغداد ــ المدينة التي وُلد فيها ــ منتصف خمسينيات القرن الماضي، انتقل الراحل إلى روما عام 1962 ضمن بعثة من الطلّاب العراقيين، وعاد من هناك بعد عامين متخصّصاً بفنّ الجداريات الذي سيقوم بتدريسه لسنوات طويلة في "كلّية الفنون الجميلة" ببغداد.
وإذا كان كثيرٌ من الفنّانين العراقيين المعاصرين قد عقدوا صِلاتٍ في اشتغالاتهم مع تاريخ العراق، في بُعديه العربي والرافديني، فإنّ غازي السعودي شاء أن يكون يحيى بن محمود الواسطي مرجعه، حيث وضع العديد من اللوحات التي يستلهم فيها أسلوب وعوالم الرسّام والخطّاط العراقي الذي عاش في القرن الثالث عشر.
ومن باب الواسطي، تأثّر الراحل بشكل عام بفنّ المنمنات العربي كما تعرّف إليه في بعض كتب التراث، وهو تأثيرٌ يتمظهر في تكويناته التي تميل نحو المنظور الكلاسيكي مع حضور لعناصر مثل المباني الإسلامية (الجوامع) إلى جانب العُنصرين البشري والحيواني، أو في موضوعاته وطريقة معالجتها (مثل لوحة "الحلّاق"، 1965، التي تذكّرنا بالمسوّدات الطبّية العربية القديمة ومنمنماتها)، أو حتى في تعشيقه لبعض الرسومات بنصوص أو أبيات من الشعر.