في 2009، قامت البرتغال بخطوةٍ نادرة تجاه فنّانة أو فنان ما يزال على قيد الحياة: بناء متحفٍ في كاشكايش، قرب لشبونة، متخصّص بعرض أعمال الفنانة باولا ريغو. لم تكن الخطوة مفاجِئةً حينها إزاء فنانة اضطرّ "متحف سيرالفيس" في بورتو، قبل سنوات (2004)، إلى فتح أبوابه على مدار الساعة طيلة عدّة أيام لاستيعاب الأعداد الكبيرة من الزوّار الراغبين بزيارة المعرض الاستعادي الذي كان مقاماً لها هناك.
أمس الأربعاء، رحلت باولا ريغو (1935 - 2022) في لندن - المدينة التي عاشت فيها لعقود - عن 87 عاماً كرّست القسم الأكبر منها للفن الذي مارسته في شتّى الحقول: من الرسم إلى النحت، مروراً بالحفر والتصميم والفيديو.
بدأت الفنانة الراحلة مسيرتها مطلع الستّينيات، حيث شاركت عام 1962 في معرض جماعيّ مع طلّاب فنون آخرين في لندن؛ كما تعرّفت باكراً - في نهاية الخمسينيات - إلى عددٍ من التشكيليّين الذين سيتحوّلون إلى رموز في الفن المعاصر، مثل فرانسيس بيكون، ولوسيان فرويد، وديفيد هوكني.
تنقّلت ريغو بين التجريدية، التي مالت إليها في شبابها، وبين الفنّ التشخيصي، قبل أن تتحوّل، في العقود الأخيرة من تجربتها، إلى نظرةٍ شديدة الواقعية، ولا سيّما في لوحاتها. ولم يكن هذا التحوُّل مفاجئاً لدى فنّانة عُرفت بالتزامها الكبير على أرض الواقع، ولا سيّما من أجل حقوق النساء، حيث ناضلت لسنوات من أجل حقّهنّ في الإجهاض، وضدّ ما يُعرف بـ"جرائم شرَف". كما عُرفت الفنّانة الراحلة بدفاعها عن حق الناس في الهجرة، وعن المهمّشين والمستضعفين، وبنقدها للحرب، ولا سيّما حرب الولايات المتّحدة على العراق في 2003.
إضافة إلى تركيزها على النساء في مجمل مسيرتها، تميّزت أعمال باولا ريغو بأشكالها الضخمة تشريحياً، حيث الرؤوس والأطراف الكبيرة والأعضاء غير المتناسقة، كما في أعمال لوسيان فرويد. وتصوّر الفنانة أيضاً شخوصها في حالات من الغضب والعُنف أو اللامبالاة، وذلك ضمن أجواء من الغرائبية والعجائبية اللتين تخيّمان على لوحاتها، حيث يتحوّل ما هو حَريٌّ بالإدهاش والرعب إلى حدث ويومي وعاديّ.