رحيل إسماعيل كاداريه.. "الانشقاق" عن الشمولية في لحظاتها الأخيرة

01 يوليو 2024
إسماعيل كاداريه (1936 - 2024/ Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- إسماعيل كاداريه، الروائي الألباني الشهير، توفي في تيرانا عن عمر يناهز 88 عامًا، وكان معروفًا بترشحه المتكرر لجائزة نوبل للأدب وعلاقته المثيرة للجدل بأنور خوجا، رئيس النظام الشمولي في ألبانيا.
- حقق كاداريه شهرة واسعة بأعماله الروائية التي ترجمت إلى عدة لغات، وتلقت دعمًا من النظام الشمولي، مما أثار تساؤلات حول علاقته بالنظام، خاصة بعد تقلده مناصب رفيعة تحت حكم خوجا.
- بعد سقوط النظام الشيوعي، انتقل إلى باريس وطلب اللجوء، حيث استمر في إنتاج أعمال روائية مهمة تعكس تجربته مع ألبانيا، مؤكدًا مكانته كأحد أهم الكتاب في العالم الأدبي الحديث.

بين الترشُّح الدائم لنيل "جائزة نوبل للأدب"، من دون أن يتحقّق ذلك، وبين الوثائق التي ظلّت الصُّحف تكشفها عنه، وبشكل متواتر، حول علاقته برأس النظام الشمولي في ألبانيا، أنور خوجا (1908 - 1985)، هكذا بقي اسم الروائي الألباني إسماعيل كاداريه يتردّد في الأخبار وعوالم الكتابة خلال السنوات الأخيرة، قبل أن يُغادر صاحب رواية "نيسان المهشّم" (1980) عالمَنا صباح اليوم الاثنين في العاصمة تيرانا، عن ثمانية وثمانين عاماً.

وُلد كاداريه في الثامن والعشرين من كانون الثاني/ يناير 1936، بمدينة جيروكاستر جنوب ألبانيا، خلال فترة حُكم النظام الملَكيّ، وحين بلغ من العُمر تسع سنوات كانت الجمهورية قد تأسّست، بعد انسحاب القوّات الإيطالية من البلاد مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وبداية حقبة جديدة حكَم فيها أنور خوجا لمدّة أربعين عاماً، بداية من 1945.

رعى النظام الشمولي ترجمة أدبه إلى اللغات الأوروبية الأمر الذي عزّز انتشاره

تدرّج كاداريه في تعليمه حتى حصَل على دبلوم في التربية من "جامعة تيرانا" عام 1956. وصحيحٌ أن تأثُّره بالكلاسيكيات الأدبية قد جاء في وقت مبكّر إلّا أنّه لم ينجز عمله الأدبي الأول، وهو عبارة عن مجموعة شعرية، حتى عام 1954. وفي أواخر الخمسينيات، انتقل إلى مرحلة الدراسات العليا في موسكو، وهناك أُتيح له الاطّلاع على أعمال من الأدب العالمي، ثم عاد مطلع الستينيات إلى تيرانا بعد تأزُّم العلاقات السياسية بين ألبانيا والاتحاد السوفييتي، حيث سيقضي الثلاثين عاماً المُقبلة من حياته في شقته بالعاصمة الألبانية، والتي تحوّلت إلى متحف مؤخّراً.

وفي تلك المرحلة كان كاداريه معروفاً كشاعر، ولم تصدُر روايته الأولى حتى عام 1962، وعلى شكل مقتطفات صحافية. لكن، مع روايته الثانية "جنرال الجيش الميّت" (1963) أصبح اسمُه أكثر حضوراً في الأوساط الأدبية، كما سينشر في هذا العقد روايتَين أُخريين: "الوحش" (1965)، و"الزواج" (1968)، وبالتوازي مع ذلك كانت قبضة الشمولية تشتدّ على البلاد وأصبحت الرقابة أكبر على الأدب، مع ذلك ظلّ أدب كاداريه يُنشر ويُروّج له من قبل النظام، بل واعتُبر كاتبه المُدلّل بعد أن رعى مشاريع ترجمته إلى اللغات الأوروبية.

أمّا في السبعينيات فسيتواتر نشر كاداريه للروايات: "الحصار" (1970)، و"السجل في الحجر" (1973)، و"نوفمبر العاصمة" (1975)، و"الشفق من سهوب الآلهة الشرقية"، و"مشكاة العار" (1978)، و"الجسر" (1978)، وفي هذه الأعمال بدأ يستلهم التراث الألباني والقصص والأساطير، ويُعيد توجيهها بأسلوب يستبطن ملامح نقد اجتماعي، والذي تطوّر مع "قصر الأحلام" (1981) إلى مواجهة مع بعض تيارات السُّلطة حينها، من دون أن يمثّل أدبه أفكاراً وهموماً معارضة لخوجا الذي جمعته به علاقة شخصية قويّة، حيث تقلّد الروائي على إثرها منصباً رفيعاً (نائب رئيس "الجبهة الديمقراطية"، وهي الواجهة الشكليّة لحُكم "الحزب الشيوعي").

وعلى عكس الكتّاب "المنشقّين" الذين لم تُوفَّر لهُم مساحات حرّية كافية لانتشار أدبهم في بُلدانهم، حازت أعمال كاداريه على رواج كبير داخل ألبانيا، كما مكّنت السياسات الثقافية للنظام الشمولي من ترجمتها وترويجها في أوروبا ومنها إلى العالم، الأمر الذي منحَها بُعداً مُكرّساً؛ فضلاً عن أنّ "انشقاقه" في أواخر أيام الحُكم الشيوعي عام 1990، وطلبه اللجوء إلى باريس، حيث نال الجنسية الفرنسية، عزّز من هذه "الهالة" حول اسمه.

أنجز كاداريه، في سنوات ما بعد الشيوعية، أعمالاً عديدة حيث صدر له في الرواية: "النسر" (1995)، و"الزهور الباردة من مارس" (2000)، و"الخليفة" (2003)، و"ابنة أغاميمنون" (2003)، و"قصّة مدينة الحجر" (2008)، و"الصُّدفة" (2010)، و"دُمى" (2015)، كما عاد إلى كتابة الشعر عام 2004، وصدرت له ثلاث مجموعات منذ ذلك التاريخ، إلى جانب المجموعات القصصية والمسرحيات وعشرات المقالات.
 

المساهمون