رافي يداليان.. وجوهٌ تتأمّل ذواتنا

11 اغسطس 2024
من المعرض
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يدعو الفنان اللبناني رافي يداليان في معرضه "تأمّل" ببيروت إلى وقفة تأمّل وسط الفوضى والحروب، لاستكشاف العوالم الداخلية والهدوء الروحي.
- يعرض يداليان لوحات بأحجام مختلفة تركز على الوجوه والأجساد الآدمية، مع خيوط تمثل الحياة وصعوباتها، معبرة عن الاتصال الروحاني بين الداخل والخارج.
- يستخدم يداليان ألوان التأمّل والهدوء في لوحاته، ويجسد شخصياته بوجوه متأملة ومنحوتات تعكس ثنائية الداخل والخارج، ويعمل أستاذاً للرسم في "جامعة هايكازيان".

يتحرّك داخل كلّ إنسان عالَمٌ خاصّ، كان فرويد أوّل من عبرّ عنه عندما اكتشف عوالم اللاوعي. ويكاد يكون صعباً اكتشاف هذه العوالم دون فعلٍ خاص من التأمّل الكامل الذي يفصلنا عن العالم الخارجي ومؤثّراته الظاهرية، لا سيّما في العصر الذي نعيش فيه، حيث تكثر المغريات والمحفّزات والاختراعات التي سيطرت على عقلنا الواعي. ففي فعل التأمّل تكمن طاقات نستطيع بموجبها استكشاف القوى الدقيقة التي تُشكّل وعينا ولاوعينا على السواء.

وسط الإبادات والمجازر، وفي زمن تسود فيه الفوضى والحروب، يدعو الفنّان التشكيلي والنحّات اللبناني رافي يداليان (1973)، في معرضه "تأمّل" المُقام حالياً في "غاليري مارك هشام" ببيروت، ويتواصل حتى الخامس عشر من الشهر الجاري، إلى وقفة تأمّل موجزة، في محاولة لإيجاد الهدوء والسكنية، ومن ثمّ التواصل مع جمال العوالم الداخلية الموجودة داخل الكائن الإنساني.

يُقدّم يداليان مجموعة من اللوحات، بأحجام مختلفة، تطغى عليها الوجوه والأجساد الآدمية؛ شخوص طويلة القامة، نحيلة، وعلى وجوهها علامات التعب والإرهاق، إضافة إلى علامات الهدوء والتصوّف، لتكون مرآة لذواتنا الداخلية وتلتقط الطبيعة العابرة لأفكارنا ومشاعرنا؛ تلك اللمحة التي لا تتوقّف عن البصر والبصيرة.

لوحاتٌ بأحجام مختلفة تطغى عليها الوجوه والأجساد الآدمية

إضافة إلى الشخوص والوجوه، ثمّة خيوط تمتدّ في فضاء اللوحة، إنّها خيوط تُمثّل الحياة، حياة الداخل وحياة الخارج، وهي صلة الوصل بين الأرض والسماء، بين الداخلي والخارجي، ذلك الاتصال الروحاني للإنسان مع نفسه أوّلاً، ثمّ مع القوى العليا في هذا العالَم. 

ولكن، وعلى غرار الحياة نفسها، هذه الخيوط لا توجد عبثاً وفي راحة تامّة، بل إنّها محاطة بالشوك. ربّما كانت هذه الأشواك تعبيراً عن صعوبات الحياة نفسها، أو إشارة إلى أنّ برزخ الوصل بين العالم الداخلي والخارجي، بين الأرض والسماء، بين الحب والكره، بين الخير والشر، لا يمكن تجاوزه إلّا إذا اجتاز الإنسان الصعوبات وعانى من أجل ذلك، تأمّلاً وزهداً وتصوّفاً.

من المعرض
من المعرض

بين الأبيض والرمادي والأزرق، ألوان التأمّل والهدوء والزهد، تتحرّك شخصيات الفنّان اللبناني كي تُعبّر عن استقرارها الداخلي، وعن انفصاله التام عن العالم الخارجي المليء بلون الدم والوحل. بمجرّد النظر إلى الوجوه الموجودة في اللوحة، يشعر المتلقّي أنّها تتواصل معه، وتنظر إليه، في لمحة عابرة، كي تقول له: انفصل عن الخارج، وتأمّل الضوء الداخلي الموجود فيك.

لا يكتفي يداليان برسم شخوص في لوحاته، بل يُجسّدها ببؤسها ونحافتها ومخاوفها، وبوجوهها المتأمّلة والزاهدة والمتقشّفة، في منحوتات تقف أمام الأعمال التشكيلية عادةً، في محاولة أُخرى لعكس ثنائية الداخل والخارج.

يعمل رافي يداليان أستاذاً للرسم في "جامعة هايكازيان" ببيروت، أنجز مجموعة من الأعمال الدينية المختلفة، وشارك في العديد من المعارض الفردية والجماعية، كما يُعرض بعض أعماله في مجموعات دائمة بمتاحف في روما والبرتغال وأرمينيا ولبنان.
 

المساهمون