تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الأول من تموز/ يوليو، ذكرى ميلاد المخرج السينمائي المصري هنري بركات (1914 – 1997).
في العاشرة من عمره، كان هنري بركات، الذي تحلّ اليوم االأحد ذكرى ميلاده، مفتوناً بمتابعة الأفلام الصامتة التي كانت تعرضها قاعة "بلانتيد" في حيّ شبرا في القاهرة، حيث نشأ هناك في عائلة قادمة من لبنان، خاصة أعمال الممثل الأميركي دوغلاس فيربانكس.
تعلّم المخرج السينمائي المصري (1914 – 1997) في مدرسة الفرير في شبرا، وكان متفوقاً في دراسته حيث أراد أن يدرس الطب مثل والده الذي كان يعمل طبيباً في الريف، لكن الأب أقنعه بدراسة القانون فتخرّج من كلية الحقوق في "جامعة فؤاد الأول/ القاهرة لاحقاً"، حيث استعاد شغفه بالسينما في تلك الفترة، وقرّر عدم الاشتغال بالمحاماة، متوجهاّ إلى باريس، والتحق هناك بدورات في تعليم الإخراج، ثم عاد إلى مصر وتخرج من "كلية الفنون الفرنسية" عام 1935.
اشتغل بركات لسنوات طويلة مديراً للتصوير ومساعد مخرج ومونتيراً خلال ثلاثينيات القرن الماضي، حيث عمل مساعد مخرج في "إمراة خطرة والعريس الخامس" من إخراج أحمد جلال، و"بياعة التفاح" من إخراج حسين فوزي، و"العودة إلى الريف" لأحمد كامل مرسي.
اقتبس روايات لعدد من الكتّاب المصريين مثل طه حسين ويوسف إدريس وإحسان عبد القدوس
في عام 1942، منحته المنتجة والممثلة آسيا داغر فرصة إخراج فيلمه الأول بعنوان "الشريد"، وهو مقتبس عن إحدى قصص الكاتب الروسي أنطون تشيخوف، وصاغ سيناريو وحوار الفيلم كلّ من الشاعر بيرم التونسي والمخرج المسرحي فتوح نشاطي، وتولّى بركات مونتاج العمل بالنظر إلى خبرته الطويلة في هذا المجال، وحافظ على هذا التقليد في جميع أفلامه الأولى.
بعد خمسة أعوام، سنة 1947، أسس شركة "أفلام بركات"، التي أنتجت اثني عشر فيلماً أخرجها هنري بركات، ومنها "بنات اليوم" و"حسن ونعيمة"، بالإضافة إلى إنتاج أفلام للعديد من المخرجين مثل "موعد مع المجهول" لعاطف سالم، و"إغراء" لحسن الإمام، وبرز كأحد رموز الواقعية الشعرية كتيار ركّز على الأبعاد والصراعات النفسية للشخصيات التي تناولتها أفلامه.
طرح مخرج فيلم "ورد الغرام" (1951) أفلاماً قدّمت إشكاليات اجتماعية معاصرة أيضاً، حيث اقتبس روايات لعدد من الكتّاب المصريين تناولت أحداثاً واقعية وقعت في المدن والأرباف المصرية، ومنها "دعاء الكروان" و"الحب الضائع" عن نصوص لطه حسين، و"في بيتنا رجل" و"الخيط الرفيع" لإحسان عبد القدوس، و"ليلة الزفاف" لتوفيق الحكيم، و"الحرام" ليوسف إدريس، و"الباب المفتوح" عن قصة للطيفة الزيات، و"حسن ونعيمة" للكاتب عبد الرحمن الخميسي، إلى جانب إخراجه فيلم "شيء في حياتي" عن نصّ للكاتب يوسف السباعي، و"حكاية بنت اسمها مرمر" لمحمد عفيفي.
تنوّعت اهتمامات بركات سواء في تقديم سينما تحاكي الواقع وهموم الطبقات الفقيرة أو الكوميدية، وكذلك الأفلام الغنائية الاستعراضية التي حقّقت انتشاراً واسعاً منذ فيلم "القلب له واحد" من بطولة صباح وأنور وجدي، و"حبيب العمر، عفريتة هانم" من بطولة فريد الأطرش وسامية جمال، و"شاطئ الغرام" من بطولة ليلة مراد، و"معلهش يا زهر" لشادية وكارم محمود، و"سفر برلك" من بطولة فيروز والرحابنة، وكان تعاونه مع عبد الحليم حافظ هو الأشهر في مجموعة أفلام منها "أيام وليالي"، و"موعد غرام، و"بنات اليوم".
تميّز مخرج فيلم "ليلة القبض على فاطمة" (1984) باعتنائه بجميع تفاصيل العمل بدءاً من النص والسيناريو، ومروراً بجميع مراحل التصوير والماكياج والإضاءة التي عرفها جيداً في مشواره، ووصولاً إلى المونتاج، وحازت أفلامه جوائز مصرية وعربية وعالمية عدّة، وكان فيلم "تحقيق مع مواطنة" (1993) آخر أفلامه التي لم تنل استحسان النقاد في معظمها.