تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الرابع عشر من أيلول/ سبتمبر، ذكرى ميلاد الخطّاط اللبناني نسيب مكارم (1889 – 1971).
على صفحة تحمل اسمه في فيسبوك، نُشرت شهادة نالها نسيب مكارم ــ الذي تحلّ اليوم الثلاثاء ذكرى ميلاده ــ من "المعرض العربي القومي" في مدينة القدس عام 1924 لاستحقاقه الميدالية الذهبية عن أعماله الحروفية التي شارك فيها، بالإضافة إلى شهادات أخرى حصل عليها من دمشق وبيروت في تلك الفترة، ونماذج من مؤلفات خطّها بيده ومنها كتاب "النبي محمد" أصدره الشاعر اللبناني مارون عبوّد عام 1934.
ورث الخطّاط اللبناني (1889 – 1971) مهنة النجارة عن أجداده، حيث لم يتمكّن من إكمال دراسته بسبب رحيل والده وهو في الرابعة عشر من عمره، فعمِل نجّاراً لسنوات طويلة لكن شغفه بالخط العربي دفعه إلى تعلّم قواعدة وأصوله بنفسه دون الذهاب إلى أحد الخطّاطين المجازين آنذاك.
يشير الأب أنطوان ضو الأنطوني في كتابه "الشيخ نسيب مكارم: فنان الخطّ واللون" (1971) إلى تمكّنه من الاطّلاع على خطوط القدامى في الكتب والمجلّات والمصاحف والمخطوطات والمعارض، فتأثّر بالخطّاطين المعاصرين والسابقين من عرب وأتراك وإيرانيين وغيرهم، موضحاً أنه "نشأ في العهد العثماني بحيث كان الخط يعطي القيمة الكبرى شأنه شأن التاريخ والشعر والحسب والنسب والدين. فكان كلّ ربّ بيتٍ راقٍ يقتني خطاً أو آية يزيّن بها منزله ومكتبه".
ويضيف "كما أن المطابع حملت عناوينه وخطّه تقريباً إلى كلّ بيت يقتني مكتبة. وأتحف المطبعة العربية بحروف مطبعية عُرفت باسمه؛ حرف مكارم، تمتاز بمحافظتها على جمال خط النسخ، وتُعرف باللغة المطبعية بـ الحرف العشرين".
درّس مكارم الخطّ العربي مدّة خمس وأربعين سنة في العديد من مدارس لبنان، منها مدرسة البعثة الفرنسية (الليسيه) في بيروت بين عاميْ 1921 و1949، و"الكلّية الثانوية العامة" في العاصمة اللبنانية، وكذلك "الجامعة الأميركية" حيث درّس الطلبة والأساتذة فنون الخط في العشرينيات، و"الكلية الشرعية الإسلامية" ببيروت وغيرها.
يلفت الأنطوني إلى أن مكارم أسّس مكتباً خاصاً له عام 1921، حيث كان يخطّ عناوين الكتب والمجلدّات والبطاقات التجارية، واعتُمد أيضاً خبيراً لدى المحاكم المدنية في قضايا تزوير الخطوط والتواقيع، ومن بين تلك القضايا التي فصل فيها كان كتابٌ نُسب إلى شكيب أرسلان وزوّر عليه خطّه، فأثبت مكام واقعة التزوير في مئة وثلاثة وثمانين موضعاً في الكتاب.
وببيّن سمات وخصائص تجربته التي ميّزها استخدامه الألوان في أعماله الحروفية، حيث "يلتقي الأزرق والأحمر والأخضر والذهبي والأبيض والأسود بمسطّحات هندسية صافية دقيقة الصنع حفراً وتنزيلاً، وهذا الزخم من الألوان يعطي اللوحة حيوية وانسجاماً كلياً"، وتعكس هذه اللونية الطبيعة التي نشأ فيها مكارم في جبل لبنان، بحسب وصف الأنطوني.
تنوّعت الوسائط التي استخدمها الخطّاط اللبناني، ومنها كتاباته على حبّات القمح والرزّ، وخزفيات ولوحات خشبية ومخطوطات، ونقوشه على الخواتم أيضاً، وتحوّل بيته في قرية عينات اللبنانية إلى متحف يضمّ العديد من أعماله بخطّ الثلث الذي برع فيه وكذلك بخطوط النسخ والكوفي والديواني والفارسي.