تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الرابع والعشرون من آذار/ مارس، ذكرى ميلاد الفنانة الفلسطينية مليحة أفنان (1935 – 2016).
في عام 1971، أقامت مليحة أفنان التي تحلّ اليوم الأربعاء ذكرى ميلادها، معرضها الفرديّ الأول في مدينة بازل السويسرية، وجاء تنظيمه بتوصية من الفنان الأميركي مارك توبي (1890 – 1976) الذي سجّل تقديره لتجربتها الفنية التي بدأت منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي.
وُلدت الفنانة الفلسطينية (1935 – 2016) في مدينة حيفا المحتلّة حيث هجّرت مع عائلتها بعد النكبة لتستقرّ في بيروت، ودرست هناك في "كلية الآداب بـالجامعة الأميركية" قبل أن تسافر إلى العاصمة الأميركية واشنطن، وتنال درجة الماجستير في الفنون الجميلة من "مدرسة كوركوران للفنون والتصميم".
تنقّلت أفنان بين أكثر من مدينة، حيث عاشت في الكويت بين عامي 1963 و1966، ثم عادت إلى بيروت لتقيم فيها حتى سنة 1974، ومنها إلى باريس التي احتضنت الجزء الأكبر من مشوارها، فشاركت في العديد من المعارض الفنية، لتهاجر منها عام 1997 إلى لندن التي بقيت فيها حتى رحيلها.
"ذاكرة ناطقة" عنوان معرضها الأخير في "صالة روز عيسى" بالعاصمة البريطانية، الذي ضمّ سبعة وعشرين عملاً فنياً تمثّل مراحل مختلفة من تجربتها، واستعارت عنوانه من أحد أعمال الروائي الروسي فلاديمير نابوكوف، وعكس مناخاتها في التجريب من خلال بحثها البصري الطويل في الخط العربي واللاتيني، واستخدامها تقنيات ومواد متعدّدة، ضمن لوحتها التجريدية.
لجأت أفنان إلى ألوان قاتمة في العادة تتقارب مع الألواح الطينية المحروقة، وهي تصف تكوين أعمالها بالقول: "الحرف في جوهره تجريد. وبالتالي لا أحيله إلى تجريد. إنه تجريد.. ولكنني لم أكن مهتمة أبداً بالمعنى الحرفي للنص".
رحلة طويلة مع الكتابة بوصفها عنصراً بصرياً قضتها الفنانة الفلسطينية التي تروي في مقابلات سابقة أنها في طفولتها، قبل أن تتقن القراءة والكتابة، كانت تملأ صفحات دفاترها بكتابات مبتكرة دون أن تفضي إلى معنى، واستمرت في مسارها مع تطوّر مخيلتها وأدواتها الفنية، حيث لم يغادر الحرف والرقم معظم أعمالها.
تذهب في أعمالها التي نفّذتها بالحبر ومواد مختلطة على الورق أو في تلك التي نفّتها بالباستيل الزيتي إلى تقديم حروف تبدو كأنها جزء من خط مسماري فوق تراب بلون أحمر مائل إلى البني المحروق، كما تظهر تقادم الزمن كثيمة أساسية تتكرّر لديها في لوحات أخرى حيث يبدو حاضراً على الدوام فيما يغيب المكان بوصفه جغرافيا محدّدة واضحة الملامح، مع تدرّجات لونية متعددة، لكنها تحيل جميعها على العزلة والحيرة والاغتراب عموماً.
كتَب الناقد البريطاني جون بيرغر نصاً بعنوان "جسد اللغة" تناول فيه لوحة مليحة فنان، يدوّن فيه "هذه الأعمال، المصنوعة باليد، تهمس. تهمس بحميمية. هذه الأعمال تستحضر لغة الأم، جميع للغات الأم العالمية، بما فيها لغة (الفنانة) ولغتي. كل لغة أم تختلف عن الأخرى بطريقة كتابتها، ولكن أجسادها واحدة. ذلك أن القواميس تخلو من لغات الأم".