تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم الخامس والعشرون من نيسان/ إبريل ذكرى ميلاد أستاذة اللغة الإنكليزية والناقدة المصرية فاطمة موسى.
منذ أن اختطّت فاطمة موسى طريقها في النقد خلال خمسينيات القرن الماضي، بنت مقارباتها حول الأدب ضمن اشتباكاته مع التاريخ والمجتمع والسياسة، وليس بوصفه نصوصاً صمّاء منزوعة عن واقعها، ونظرت إلى الظواهر والقضايا الثقافية في سياقها الحضاري والثقافي.
اهتمّت أستاذة اللغة الإنكليزية والناقدة المصرية (1927 - 2007)، التي تحلّ اليوم الإثنين ذكرى ميلادها، في مشروعها النقدي، بتجارب سردية وروائية تنتمي إلى الفضاءين العربي والأنكلوسكسوني، مكرّسة جانباً مهمّاً منه لدراسة تيارات التأثّر المتبادل في تاريخ الآداب بين أوروبا والمشرق في مختلف العصور.
أضاءت موسى نماذج عديدة من الآداب الغربية من منطق إيمانها بضرورة أن تُقدَّم للقارئ العربي دراسات أدبية أصيلة تمثّل خلاصات المتخصّصين والمشتغلين فيها، بدلاً من الاعتماد على الترجمة فقط، كما ذهبت في الوقت نفسه إلى تأليف دراسات موجّهة إلى القارئ الغربي، كما فعلت في كتابها "الدليل الصغير في كتابة المرأة العربية" الذي نُشر في كلّ من لندن ونيويورك كجزء من دليل لكتابات المرأة في العالم عام 1992.
نظرت إلى الظواهر والقضايا الثقافية في سياقها الحضاري
صدرت الدراسة بوصفها خطوة أولى في سبيل تصنيف موسوعة شاملة للكاتبة العربية، لكن صعوبة التزام عدد من الباحثين بتنفيذ عمل جماعي كهذا حال دون تحقيقه، بحسب ما أوردت المؤلّفة، في تقديمها النسخة العربية من الكتاب عام 1999، بترجمة محمد الجندي وإيزابيل كمال.
موسوعةٌ حلمت موسى بتأليفها على غرار "قاموس المسرح" الذي أشرفت عليه وحرّرته، وصدر عن "الهيئة العامة المصرية للكتاب" سنة 1996 في خمسة أجزاء، ووثّق تاريخ المسرح العالمي وروّاده وتطوّره عبر التاريخ، في محاولة لتأصيل الفن الرابع وعلومه ليصبح إحدى الركائز الأساسية في الثقافة العربية.
يغطّي الدليلُ فترة زمنية تمتّد على مدار أربعمئة عام من حكم الدولة العثمانية للمنطقة العربية (1516 - 1919) حتى تفكّكها في نهاية الحرب العالمية الأولى، وظهور التيارات القومية على امتداد العالم العربي، مع تبيان عمليات التحديث خلال القرن التاسع عشر في أعقاب الحملة الفرنسية على مصر والشام، ثم انتشار اللغات الأوروبية وترجمة نصوص الآداب الغربية التي شكّلت مقدّمة لظهور أشكال أدبية جديدة تتمثّل في المسرح والرواية والقصة القصيرة عربياً.
تشير موسى إلى الفكرة السائدة بأن الشعر إبداع ينفرد به الرجل، والتي تبنّاها عباس محمود العقّاد استناداً إلى رأيه في القصيدة كونها تعبيرا حّرا وكاملا عن العاطفة، بينما جوهر الأنوثة هو التحفّظ، في ما عدا تعبيرها عن الحزن، مستشهداً بالخنساء التي رأى ساخراً أنّها لا تَظهر إلا باكية نائحة؛ وجهة نظر أثارت معارك طويلة ضدّ الحداثيين لا تزال تحتدم في الأدب العربي حتى اليوم.
رصدت تحوّلات السرد لدى القاصّات والروائيات العربيات
وتقف موسى عند كتاب "المنتخب من شاعرات العرب" (1967) من إعداد جميل مردم، والذي ضمّ مختارات لمئتين واثنتين وأربعين شاعرة، بدءاً من الخنساء ومن عاصرنها من شاعرات ما قبل الإسلام حتى القرن الحادي عشر الميلادي مع قصائد ولادة بنت المستكفي، ليتبيّن أنّها غطّت مواضيع متنوّعة، لكنها لم تهتمّ بالسياسة والقضايا العامة، وفسّر المعدّ ذلك بأن المرأة تحسن الكتابة في ما يمسّها شخصياً.
وتبيّن موسى بأنّ معظم الشعر العربي في القرن العشرين شُغل بالسياسة، مثله مثل أيّ جنس أدبي آخر، حيث تزامن التجديد في العالم العربي وانتشار التعليم والاهتمام باللغات الأجنبية مع نهضة القومية العربية والصراع السياسي من أجل الاستقلال، وسيطرت تداعيات نكبة 1948 ونكسة 1967 على ضمير الشعراء رجالاً ونساءً.
وتنتقل بعد ذلك إلى استعراض تطوّر القصيدة العربية لدى عدد من الشاعرات، بدءاً من رومانسية ميّ زيادة المتأثّرة بشعراء المهجر، مروراً بشعر ملك عبد العزيز الذي عبّر عن لغة وحساسية جديدة، وأثر علي محمود طه؛ من آخر الشعراء الرومانسيين من مجموعة "أبوللو"، على جيل فدوى طوقان ونازك الملائكة، وصولاً إلى الشعر الجديد الذي غدا أكثر تمرّداً بعد منتصف القرن بما شهده من هزائم وحروب وشتات.
في خطّ مواز، ترصد تحوّلات السرد لدى القاصّات والروائيات العربيات من خلال تحليل ثيمات محدّدة؛ منها "البطلة ذات الدلالة" مع صدور رواية "الباب المفتوح" (1960) للطيفة الزيات، فبعد أن ظلّت الكاتبات في البداية يبدعن شخصياتهن على نمط النماذج التي يكتبها الرجل مع إضافة مساحة من المشاعر، وُلد نوع جديد من البطلات مع شخصية قادمة من الطبقة الوسطى يسير نموُّها ونضجها النفسي موازياً لتطوّر الصراع الوطني طلباً للاستقلال في مصر.
وتناقش موسى ثيمة المدينة في الوعي النسائي، حيث تعاني الشخصيات في أدبهن الاكتئاب والاغتراب نتيجة القبح والتدمير العشوائي للمدينة، مستحضرة نماذج لكاتبات مثل ألفة الأدلبي وسمر العطار وليانة بدر... خطاب برز مع ظهور نسوي واضح النبرات في نصوص عدد من الكاتبات الأصغر سناً اعتنت بكتابة الجسد، مثل سحر خليفة، ورضوى عاشور، وسلوى بكر.وفي حديثها عن الدراما، تستعرض موسى علامات بارزة في تاريخ المسرح العربي النسائي تصدّرتها فتحية العسال (1933 - 2014) التي قدّمت أول دراما نسائية بالمعنى الدقيق في مسرحيتها "المرجيحة" (1970) عبر تشريحها شخصية "الأسطى" الذي يتحوّل إلى رجل أعمال في مصر ويرتبط بزوجة ثانية تليق بمكانته المستحدثة، كما تناولت نموذج تيريز عواد (1934 - 2000) التي كتبت دراما شعرية بعنوان "البكارة" (1973)؛ حيث أثارت ضجّةً بكشفها الأقنعة عن العلاقة بين المرأة والرجال، إلى جانب تجربة نهاد جاد (1937 - 1989) التي ألّفت مسرحية "موقف الأتوبيس" وأخرجها جلال الشرقاوي، وتميّزت بكونها عملاً تجريبياً جريئاً أعمل النقد السياسي والاجتماعي.
يختتم الكتاب بمعجم لأبرز الكاتبات في العالم العربي خلال فترة الدارسة يتضمّن خلاصة حول أهم ما قدّمنه في تجاربهن ونبذة عن إصداراتهن، وكذلك بعض المصطلحات والمفاهيم والأعمال الأدبية، ومنهن خناتة بنونة، ونادية تويني، وعائشة التيمورية، وآسيا جبار، وظبية خميس، وكوليت خوري، وأليفة رفعت، ونوال السعداوي، وغادة السمان، وأهداف سويف، وأندريه شديد، وحنان الشيخ، وسعاد الصباح، واعتدال عثمان، وليلى العثمان، وإيتيل عدنان.
بطاقة
حازت فاطمة موسى دكتوراه فلسفة في اللغة الإنكليزية وآدابها من جامعة لندن سنة 1957. ومن أعمالها الأُخرى: "سحر الرواية"، و"بين أدبَين: دراسات في الأدب العربي والإنكليزي". كما ترجمت عدّة مسرحيات لشكسبير من بينها "الملك لير"، وكانت من أوائل من ترجموا أعمال نجيب محفوظ إلى الإنكليزية قبل فوزه بـ"جائزة نوبل". وقد اعتُبرت ترجمتها لروايته "ميرامار" أفضلَ ترجمات روايات محفوظ إلى الإنكليزية.