ذكرى ميلاد: غابرييل غارسيا ماركيز.. تفاصيل السنوات الأخيرة

06 مارس 2022
ماركيز عام 1970 (Getty)
+ الخط -

تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم السادس من آذار/ مارس ذكرى ميلاد الروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز (1927 – 2014).


في كتابه "وداعاً غابو ومرسيدس" الذي صدر صيف العام الماضي، يستعيد المخرج السينمائي والسيناريست رودريغو الأيام الأخيرة من حياة والده غابرييل غارسيا ماركيز الذي تحلّ اليوم الأحد ذكرى ميلاده، حين أصيب بنزلة برد، وشعرت والدته مرسيدس بارشا ذات الأصول المصرية اللبنانية بأن زوجها الذي كان يكافح حينها الخرف كان يقترب من نهايته، وهذا ما كان.

وبعد نحو ستّة أعوام، فقَد رودريغو والدته أيضاً التي شكّلت أساس العائلة وكاتمة أسرارها، ولم تكن بحسب اعترافات ابنها تسمح بنشرها ما دامت على قيد الحياة، ومنها أن الروائي الكولومبي (1927 – 2014) لم يتعرّف إلى أفراد أسرته بعد إصابته بالزهايمر، وكان يسأل كلّ يوم خادمة البيت عن أولئك الذين يقيمون معه في الغرفة المجاورة، وكان يكرّر عبارة وحيدة: "هذا ليس بيتي، أريد الذهاب إلى بيتي"، قاصداً منزل جده الذي عاش فيه طفولته.

ويروي الابن أن شعور ماركيز بالخسارة تعاظم في تلك الفترة، حيث لم يعد بإمكانه الكتابة، وكان يشير دائماً إلى عدم قدرته على العمل دون ذاكرة، لكنه بعد أن استسلم للواقع، قال: "أنا أفقد ذاكرتي، لكن لحسن الحظ أنسى أنني أفقدها". هكذا دخل الألم إلى البيت، ومكث حتى رحيل زوجين عاشا معاً أكثر من ستّة عقود.

شعور ماركيز بالخسارة تعاظم في أواخر حياته حيث لم يعد بإمكانه الكتابة

تفاصيل ومشاهد عديدة تتقاطع مع روايات ماركيز، كذلك الطائر الذي وُجد ميتاً في منزله الذي يقع في نيو مكسيكو يوم رحيله، والذي يذكّر بالطيور التي كانت تطير وتصطدم بالجدران وتسقط ميتة يوم رحيل أورسولا في رواية "مائة عام من العزلة".

ويلفت رودريغو إلى تلك الفكاهة التي غلبت على غابي ومرسيدس في مواقف تستدعي الحزن أو الجدية، مستشهداً بحال والدته التي كانت تدخن سيجارة إلكترونية وهي تنقل خبر موت زوجها إلى إحدى صديقاتها كما لو أنها تتحدث عن توصيل الطعام، وكانت تراقب بصمت النعي على شاشة التلفزيون، وبدت في قمة انزعاجها حين وصفها الرئيس المكسيكي بالأرملة في بيان نعيه لماركيز، وهدّدت بإخبار أول مراسل تلتقي به أنها تنوي الزواج مرة أخرى، وكانت تصرخ قائلة: أنا لست أرملة.. أنا مرسيدس.

مرسيدس التي كانت تعلم بجميع حماقات زوجها، بحسب الكتاب، وتعلم جيداً بنزواته وعلاقاته النسائية، استطاعت أن تحتفظ بذلك كله وغيره من الأسرار خلف جدران منزلها بعيداً عن عدسات الإعلام وفضول الصحافيين الذين كانوا يلاحقون حياتها وحياة ماركيز.

يؤكد رودريغو على صفحات الكتاب أنه يستحيل الفصل بين حياة والده ورواياته التي كتبها، ونسج العديد من شخصياتها وأحداثها من فصول الواقع وليس من مخيلته، وظلّ كذلك حتى العامين الأخيرين من حياته، حيث لم يعد مثقلاً بماضيه، ولم يكن لديه أية توقعات حول المستقبل، مستغرقاً بتأمّل الأشياء، وكأنه يشاهدها للمرة الأولى، ودائم الانفعال بين البكاء والدهشة والضحك، ومنفصلاً عن كلّ ما يدور حوله، وبالأخص مرسيدس التي كان يبدي استغرابه من وجودها وملازمتها له، ويصفها بأنها محتالة، بينما ابناه رودريغو وغونزالو رجلان غريبان.

المساهمون