ذكرى ميلاد: علي عزت بيغوفيتش.. تأملات الحرية والفكر في السجن

08 اغسطس 2022
علي عزت بيغوفيتش
+ الخط -

تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. تصادف اليوم الثامن من آب/ أغسطس ذكرى ميلاد الكاتب والرئيس البوسني علي عزت بيغوفيتش (1925 – 2003).


أُعلن منذ أيام عن وضع تمثال نصفي للكاتب والرئيس البوسني علي عزت بيغوفيتش (1925 – 2003) الذي تحل اليوم الإثنين ذكرى ميلاده، في ساحة التحرير بسراييفو بعدما أعيد تجديدها، ليجاور تماثيل أبرز كتاب بلاده ومنهم إيفو أندريتش وماك ديزدار وميشا سليموفيتش وآخرون.

الساحة التي شيّدت عام 1881 باتت تحمل اسم بيغوفيتش منذ سنة 2005، في تخليد لذكرى أحد أهم الشخصيات المعارضة للنازية حين احتلت مملكة يوغسلافيا خلال الأربعينيات، وكذلك ضدّ حكم جوزيف تيتو وحتى تفكيك الاتحاد اليوغسلافي، ليصبح أول رئيس للبوسنة والهرسك عام 1995، بالإضافة إلى مساهماته الفكرية والفلسفية البارزة.

في فترة اعتقاله التي امتدّت بين عاميْ 1983 و1989، وضع مسوّدات معظم مؤلّفاته مثل "الإسلام بين الشرق والغرب"، و"عوائق النهضة الإسلامي" و"هروبي إلى الحرية"، ليعتزل الحياة السياسية بعد انتهاء فترة رئاسته عام 2000، وتفرّغ لإصدار كتبه التي عكست تجربة نضالية وسياسية طويلة عاشها في جغرافيا معقدة في تركيبتها السكانية وتاريخها، وهي البلقان.

اعتزل الحياة السياسية عام 2003 وتفرّغ لإصدار كتبه التي عكست تجربة نضالية طويلة

نُشرت مذكرات بيغوفيتش في سنة رحيله تحت عنوان "أسئلة لا مفرّ منها – مذكرات من سيرة حياة"، ونًقلها إلى العربية محمد يوسف عدس في ترجمة مختصرة، وفيها يعود إلى أيام دراسته خلال الحرب العالمية الثانية حيث انصرف عن المناهج التي كان يتعلّمها نحو قراءة الفلسفة الأوروبية، خاصة كتابات هيغل وكانط وبرغسون وشبنغلر، وربما ذلك ما ساهم في تطوّر وعيه ودفعه بعد تخرّجه من المدرسة إلى عدم الانحياز خلال الحرب الأهلية التي تواجه فيها الصرب المدافعون عن الملكية مع الكروات المؤيدين إلى النازية، بالتزامن مع صعود التيار الشيوعي بقيادة تيتو، حيث لجأ إلى أقاربه في الريف حتى انتهاء الصراع.

ويشير في مذكراته إلى مقولات العداء التقليدي والصراع العرقي بين البوشناق (المسلمين) والصرب والكروات هي خرافة محضة، مستعيداً انطباعاته الأولى عن طفولة هانئة سعيدة وسط تعايش جميع أبناء البلقان على اختلاف أعراقهم وأديانهم وطوائفهم، وأن الصراع الذي لطالما اكتوت به المنطقة كان يحدث دائماً بفعل قوى خارجية لخدمة أهداف سياسية توسعية.

رغم انشغاله بفكرة العدالة الاجتماعية كما روّجت لها الأدبيات الشيوعية في بدايات شبابه، إلا أنه لم ينجرّ وراء إغوائها بالنظر إلى موقفها الشمولي المعادي للديمقراطية والحرية، وسرعان ما توجّه إلى تأسيس "جمعية الشبان المسلمين" التي عادت الفاشية والشيوعية في الوقت نفسه، والتي انتشرت أفكارها في أوساط طلبة المدارس الثانوية والجامعات، قبل أن يدخل الشوعيون سراييفو ويحكموا يوغسلافيا عام 1945.

في عام 1946، دخل بيغوفيتش السجن لأول مرة وحُكم عليه ثلاث سنوات بتهمة ممارسة العنف والإرهاب مع أن جميع أنشطة الجمعية اقتصرت على الحوار ونشر الأفكار، وبعد خروجه من السجن واصل نشاطه وكتاباته لمقالات معارضة لحكم تيتو، وسياساته التي منحت الامتيازات الخاصة لقادة الحزب بينما كانت المحال فارغة من البضائع، وأودع كلّ معارض في السجن.

يكمل مذكراته وصولاً إلى لحظة رحيل تيتو عام 1980، حيث تراجع القوميون الصرب الذين تسلّموا مفاصل الحكم عن العديد من السياسات ومنها صداقة الدول العربية والإسلامية، وكذلك الإصلاحات الدستورية التي منحت كوسوفو كيانا سياسياً مكافئاً لبقية الجمهوريات اليوغسلافية الأخرى، وقاد ذلك إلى ما سمّي بالتظهير العنصري في العقد اللاحق، وسجن بيغوفيتش ستّ سنوات في تلك الفترة حيث انكب خلالها على كتابة تأملاته حول الحياة والدين والسياسة وكذلك حول الكتب التي قرأها عن مؤلّفيها، حتى راكم ثلاثة عشر مجلداً ضخماً من الأوراق حين خروجه من السجن.

تنطوي المذكرات على مواقف صريحة وجريئة بحقّ الدول الغربية ومواقفها من البوسنة، وكذلك انتقاداته اللاذعة للسياسيين الصرب والكروات الذين كشفوا كراهية وعنصرية لا حدود لهما، ولم يغفل عن انتقاد السياسيين البوسنيين في كثير من مواقفهم، والمثقفين الذين كانوا يفضّلون الصمت والحياد على إعلان آرائهم تجاه السلطة. ليختم بتأكيده على هويته كمسلم أوروبي وهي الحقيقة التي يشعر تجاهها بارتياح كامل بينما أزعجت معظم خصومه.
 

المساهمون