تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. تصادف اليوم، الخامس عشر من كانون الثاني/ يناير، ذكرى ميلاد الفنان التشكيلي التونسي علي الزنايدي (1950).
عناصر ومشاهد من الحياة اليومية، ألوان قوية، تجديد في المحامل والخلفيات، ارتباط لطيف بالواقع، حرارة تونسية: هذه هي الملامح الأولى التي نلتقطها من لوحات الفنان التشكيلي التونسي علي الزنايدي. يبدو بهذه الأعمال وكأنه يستوعب كل شيء يمرّ أمامه، من لحظة الثورة إلى القطط التي تعبر مرسمه راكضة.
المدينة العتيقة لتونس العاصمة تمثّل الملهم الرئيسي للزنايدي، حيث أعادت الكثير من لوحاته تشكيلها، لكنه فعل ذلك بعد تحريرها من الكليشهات البصرية ذات النزعة السياحية والاستشراقية. وكأنه يعمل بمقولة شهيرة للفنان الإسباني بابلو بيكاسو مفادها أن الفنان ينبغي عليه أن يسبق الجمال، وتونس التي يقترحها علينا الزنايدي أجمل من مرجعيّتها، أي تونس الواقعية، بكثير.
لعلّ مردّ هذه القدرة على أخذ خطوة على حساب جماليات الواقع هو البعد النظري-الفنّي الذي يملكه الفنان التشكيلي التونسي، حيث أنه يملك قراءة موسّعة في التراث البصري الذي تناول تونس من المستشرقين إلى أعمال الفنانين الذين يصغرونه سناً، مروراً بما قدّمه أعضاء "مدرسة تونس".
رغم ذلك، لا نشعر بقطيعة بين أعمال الزنايدي ومن سبقوه، هناك تجاوز متصالح مع من صوّر تونس قبله ومفتوح على ما يأتي بعده. ولعلّنا نجد في شخصيته هذا البعد حيث يمثّل أحد أكثر الفنانين تلامساً مع مختلف الأجيال الفنية في تونس.
منذ 1975، بدأ الزنايدي في تقديم المعارض التشكيلية، ولعلّ أبرزها ذاك الذي أقيم في "قصر خير الدين" عام 2015، وكان بمثابة إضاءة شاملة لمسيرته الإبداعية، وقد صدر مع المعرض كتاب بعنوان "ذاكرة أعيد اختراعها" (منشورت ميم).