ذكرى ميلاد: عفيف بهنسي.. في تجلية الفن العربي وتحريره

17 ابريل 2022
(عفيف بهنسي، 1928 - 2017)
+ الخط -

تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم السابع عشر من  إبريل/ نيسان ذكرى ميلاد المؤرخ والباحث السوري عفيف بهنسي (1928 – 2017).


يشير عفيف بهننسي، الذي تحلّ اليوم الأحد ذكرى ميلاده، في كتابه "جمالية الفن العربي" (1979) إلى أنه "عندما يُعالَج موضوع الفن العربي، فإن المسألة الأساسية التي تواجه الباحث هي (أن شخصية الفن العربي الإسلامي تكوّنت بسبب المنع)، ويتطوّع المستشرقون والمثقفون العرب من ورائهم، للتوسع في تحقيق المنع أو في نكرانه. والواقع أن هذا الرأي يعني أن الفن العربي يعيش منذ وجوده حالة القمع التي تبعده عن التكامل والنضج.

ويوضح المؤرخ والباحث السوري (1928 – 2017) أن حالة القمع هذه تتضمّن الاعتقاد بأن الفن التشكيلي، كما عرفه الغرب في العصر الإغريقي وفي عصر النهضة والباروك وحتى اليوم، هو الصورة الوحيدة المشروعة للفن، والنظر كذلك إلى الفن العربي والإسلامي على أنه فن زخرفي لم يرق إلى مستوى الصورة الصحيحة للفن بحسب ما توصّل إليه الفن الغربي.

قدّم للمكتبة العربية أكثر من ثمانين كتاباً، كما شارك في تأليف موسوعات عالمية ووضع مؤلفات بلغات أجنبية

ويضاف إلى ذلك، بحسب الكتاب، تعليل سبب عدم ظهور الفن التشكيلي في البلاد العربية كما تمّ في عصر النهضة إلى منع الإسلام للتصوير التشبيهي، ما أفسح المجال للرقش العربي المجرّد، لافتاً إلى أن الفن العربي يبدو متحرراً من الوظيفة الأساسية للتصوير وهي الدلالة الفكرية أو الأدبية، بحيث يصبح الفن لغة تشكيلية لأفكار عامة.

ويبين بهنسي أن الفن العربي متحرّر من هذه الوظيفة مستقلاً بذاته، فاللوحة هي مخطوطة شأنها شأن موضوع تصويري على سجادة، أو جدار بناء أو على آنية ما، وتبقى مستقلة عن الواقع، بل تحمل واقعاً جديداً، وهي في نزوع مستمر للتحرر من الدلالة المحددة والسعي نحو التعبد عن الذات، كصورة أو كرقش أو كصيغة تصويرية، فعندما يريد فنان ما أن يباشر عملاً تصويرياً، فإنه يبتدئ أولاً بوضع المخطط الأولي الذي سيوزع عليه عناصر موضوعه، وهذا المخطط يعادل المخطط المنظوري الذي يضعه الفنان الغربي، ولكن الفنان العربي عندما يخطط للوحة، فإنه لا يهتمّ بقواعد المنظور الخطي، بل هو يسعى إلى تصوير الأشياء من حيث هي موجودة بذاتها.

اهتمّ المؤرخ السوري المولود في دمشق، والحائز على درجة الدكتوراه في تاريخ الفن من جامعة السوربون عام 1964، بإبراز هوية الفن العربي والإسلامي التي اعتمدت أسساً جمالية مختلفة عن جماليات الفن في الغرب، وتوزّعت على أشياء "استعمالية" أو زخرفية تجميلية كالخزف والنسيج والقراطيس والمخطوطات والسجاجيد والأدوات المعدنية أو الأعمال الفسيفسائية، وهي في عمقها تتبع مفهوم التوحيد لتقوم على أسس روحية وفلسفة متميزة تكشف عن شخصية فنية متكاملة.

ساهم بهنسي في تأسيس كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق عام 1960، كما شارك في تأسيس نقابة الفنون الجميلة وأصبح أول نقيب لها، وأنشأ كذلك مراكز الفنون التشكيلية في سورية، وعيّن المدير العام للآثار والمتاحف. وفي عام 1972، أنشأ حوالي عشرين متحفاً للآثار والفنون والتراث في أنحاء سورية، وشملت المتاحف الأثرية ومتاحف الخط العربي والفنون والفسيفساء وأخرى للتقاليد الشعبية.

وقدّم للمكتبة العربية أكثر من ثمانين كتاباً، كما شارك في تأليف موسوعات عالمية ووضع مؤلفات بلغات أجنبية، ومن أبرز عناوين كتبه: "الفنون التشكيلية في سورية"، و"الفن عبر التاريخ"، و"الفن الحديث في سورية"، و"تاريخ الفن في العالم"، و"الفن الإسلامي"، و"معجم مصطلحات الفنون"، و"الفن والاستشراق"، و"روّاد الفن في البلاد العربية"، و"فلسفة الفن عند أبي حيان التوحيدي"، و"من الحداثة إلى ما بعد الحداثة في الفن"، و"الفن العربي بين الهوية والتبعية"، و"سورية التاريخ والحضارة"، و"العمران الثقافي"، و"معجم الخط والخطاطين"، و"علم الجمال"، و"خطاب الأصالة في الفن والعمارة"، و"موسوعة التراث المعماري"، وغيرها.