ذكرى ميلاد: عبد الرحمن شكري.. عتبة لتجديد الشعر

12 أكتوبر 2021
(عبد الرحمن شكري، 1886 - 1958)
+ الخط -

تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الثاني العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر، ذكرى ميلاد الشاعر والناقد المصري عبد الرحمن شكري (1886 – 1958).


لا يزال العديد من الباحثين ومؤرخي الأدب ينظرون إلى المقالات التي نشرها عبد الرحمن شكري ــ الذي تحلّ اليوم الثلاثاء ذكرى ميلاده ــ ورفيقيه عباس محمود العقاد وإبراهيم المازني، في صحيفة "الدستور" عام 1907، والتي هاجموا فيها أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وطه حسين، بأنها ظلّت واحدة من أبرز أدبيات تجديد الشعر العربي لعدّة عقود لاحقة.

دعوات التجديد التي أطلقها الشاعر والناقد المصري (1886 – 1958)، مع العقّاد والمازني، استندت إلى نقطتين أساسيتين؛ الأولى تتمّثل في اطّلاعهم على الشعر العربي القديم حيث رأوا بأن إعادة إحيائه لا تضيف جديداً إليه، والثانية تتعلّق باتصالهم الوثيق بالشعر الغربي وسعيهم لتطوير القصيدة بناء على تأثّرهم بمضامينه ومناخاته.

أبرز شكري كما رفيقيه آراءه بجملة ملاحظات تتركّز حول ضرروة أن تعبّر القصيدة عن وجدان الشاعر وذاته، وإلى وحدة القصيدة، وتحرّرها من القافية، والابتعاد عن شعر المناسبات، وكذلك الابتعاد عن الزخرفة والبلاغة اللفظية، والتوّجه نحو الطبيعة والتأمّل في ظواهرها، والتركيز على ثقافة الشاعر التي افترضوا أنه لا يمكن تعميقها من غير الاطّلاع على آداب الأمم الأخرى.

دعا إلى ضرروة أن تعبّر القصيدة عن ذات الشاعر، وإلى وحدة القصيدة، وتحرّرها من القافية

لم تأخذ تلك التنظيرات مداها ومسعاها في التجديد وظلّ عمود الشعر العربي يراوح أزمته قرابة نصف قرن، مع استثناءات قليلة هنا وهناك، فربما لم يستطع روّاد "المذهب الجديد"، كما سُمّي آنذاك، نيل القبول والإعجاب الذي يؤهلّهم لتصدّر المشهد الشعري، وظّلت كتاباتهم تحت تأثير مجموعة من الشعراء الرومانسيين، ومعظمهم من الإنكليز، ولم يخرجوا عنها غالباً.

من جهة أخرى، بدا هؤلاء الثلاثة غير متّفقين، مثلما توضّحه الخصومات والسجالات في ما بينهم، سوى على نقد رموز عصرهم، ولم يتمكنوّا من مواصلة جهودهم المشتركة بعد أن دبّ الخلاف بين شكري والمازني وتبادلا الاتّهامات حول سرقات كلّ منهما لأشعار ومقالات لكتّاب غربيين، وسط صمت العقّاد الذي كان منحازاً بالطبع للمازني.

خلافات ساهمت في تعزيز جبهة التيار التقليدي الذي رأى أيضاً أن هناك فارقاً كبيراً بين تنظير أصحاب "المذهب الجديد" وبين كتاباتهم الشعرية، مع ترجيح لأفضلية شكري على الآخريْن ليس فقط في شعريته إنما في قدرته على ترجمة آرائه النقدية من خلال قصائده.

في تقديمه لدوواينه، يشير شكري إلى أن الشعر كشفٌ للحقيقة، وأن حلاوة الشعر في إقامة الحقائق المقلوبة، ووضع كل منها في مكانها، ويقصد بها الحقيقة الكلّية المطلقة التي تمسّ الإنسان في كلّ زمان ومكان، وأن الشاعر لا يكتب لأمّة أو يكتب للعامة ولا يكتب لليوم الذي يعيش فيه، إلى جانب تركيزه على الوحدة العضوية للقصيدة، ومكانة الخيال والصورة، وهو موضوع لم يكن أساس الشعر لقرون مضت.

تتوافق هذه الرؤى مع مسار تجربة الشاعر المولود في بور سعيد والذي تحرّج من "مدرسة المعلمين العليا" عام 1909 بعد أشهر من إصدار ديوانه الأول "ضوء الفجر"، ثم سافر غلى بريطانيا حيث أكمل دراسته في "جامعة شفيلد" التي عاد منها عام 1912، وعمل مدرساً للغة الإنكليزية والتاريخ حتى أحيل إلى التقاعد عام 1938.

ترك شكري العديد من المؤلّفات، منها "دراسات في الشعر العربي"، و"الثمرات"، و"حديث إبليس"، و"الاعتراف: وهو قصة نفس"، و"نظرات في النفس والحياة"، بالإضافة إلى دوواينه التي جمعت في أعماله الكاملة، وهي: "ضوء الفجر"، و"لآلِئُ الأفكار"، و"أناشيد الصبا"، و"زهر الربيع"، و"الخطرات"، و"الأفنان"، و"أزهار الخريف".
 

المساهمون