تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم الثاني عشر من كانون الأول/ ديسمبر، ذكرى ميلاد الشاعر والكاتب المصري صالح جودت (1912 – 1976).
في كتابه "ملوك وصعاليك: عشرون سيرة"، يرى صالح جودت الذي تحلّ اليوم الأحد ذكرى ميلاده أن الملوك ليسوا أولئك الذين يلبسون التيجان فوق رؤوسهم، بل هم هؤلاء الذين تسيدوا دولة من دول الأدب أو السياسة أو العلم أو الفن أو الدين، فهؤلاء هم الملوك حقاً، الذين لا تستطيع قوة في الأرض أن تنزع عنهم تيجانهم. وليس الصعاليك أولئك العفاة الذين تشردوا في الأرض جياعاً عراة، فالصعلوك في اللغة هو الفقير، والفقر مظهر أو جوهر، وقد نجد بين الفقراء من هو غني النفس، فهو على هذا الوضع ليس بصعلوك؛ كما يرى جودت؛ وقد نجد بينهم صاحب ملايين، ولكنه فقير النفس، فهو على هذا الوضع صعلوك كبير!
تتنوّع قراءات الشاعر والكاتب المصري (1912 – 1976) لصعلكة هؤلاء الملوك الذين ينتمون إلى فضاءات ثقافية ومعرفية وسياسية مختلفة، حيث يحتفي بسلطان محمد شاه المعروف بآغا خان الثالث، الذي ساهم في تأسيس رابطة عموم المسلمين في الهند، وسعى إلى بناء رأس المال الاجتماعي للهنود المسلمين من خلال تحسين التعليم، ثم الانخراط في السياسة من إجل إنشاء الباكستان التي تمثّل أمة مستقلة بحدّ ذاتها.
في الشعر، ينحاز جودت إلى شعراء من ثقافات متنوّعة، ولكن الأقرب إليه هم أحمد شوقي وأحمد رامي وأحمد أبو شادي، ويكتب عن الشاعر الروسي ألكسندر بوشكين مضيئاً الجذور الأفريقية لديه، حيث والدته تنتسب إلى الحبشة التي كانت تتبع الدولة العثمانية آنذاك، ووقعت في الأسر خلال معركة وقعت بين الجيشين الروسي والتركي، لكن المؤلّف يصفه بـ"شاعر روسيا المصري" بالنظر إلى الروح الشرقية في قصائده، ويشير إلى ولاية الحبشة التي كانت ضمن الحدود الإدارية لمصر العثمانية.
ألّف عدّة كتب حول سيرة شعراء عرب عاشو في عصور مختلفة
يهتمّ الكتاب بسيرة هؤلاء العشرين الذين حظوا بمكانة مرموقة بفعل إنجازاتهم في مجتمعاتهم وتأثيرهم الكبير فيها، ولا تقلّ أهمية إن لم تكن تفوق ما فعله الزعماء والملوك، ويربط بين حياتهم وأفكارهم وآرائهم وإبداعهم، ومنهم: الطبيب والمحلل النفسي النمساوي سيغموند فرويد، والروائي الإنكليزي سومرست موم، وقائد الثورة السورية سلطان الأطرش، والسياسي الفرنسي بيير بوجاد، والممثلة الأميركية غريس كيلي، والراقصة الفرنسية ميستنجيت، إلى جانب المطربة منير المهدية والمسرحيّين بديع خيري ويوسف وهبي وآخرين من مصر.
اهتمامات جودت الذي درس التجارة في "جامعة القاهرة"، بكتابة السيرة قادته إلى تأليف عدد من الكتب التي عاد في بعضها إلى الأدب العربي القديم مثل مؤلّفه الشهير "شعراء المجون" حيث يعيد الاعتبار فيه لشعراء مثل الحسين بن أحمد المعروف بابن الحجاج، وابن سيابة، وابن لنكك، وابن المعذل، وأبو دلامة، وأبو نواس، والأقيشر، وجحظة البرمكي، والحسين الخليع، والزوزني البحاثي، ومطيع بن إياس، وغيرهم.
وتتبّع سيرة شعراء معاصرين في كتابه "بلابل من الشرق"، وضمّ تراجم لإبراهيم ناجي وأبو القاسم الشابي وإلياس فرحات وبشارة الخوري وعباس محمود العقاد، وخليل مطران، ورشيد سليم الخوري (الشاعر القروي)، وصالح شرنوبي وكامل الشناوي، وأفرد كذلك مؤلّفات مستقلة مثل "إبراهيم ناجي: حياته وشعره"، و"محمد عبد المعطي الهمشري"، و"شاعر الكرنك: أحمد فتحي".
أتت هذه الكتاب بالموازاة مع تجربته في الشعر حيث انتمى إلى "جماعة أبولو" التي لم تتمكّن من ترسيخ آرائها في تجديد الشعر، التي غلبت عليها النزعة الرومانسية والتحرّر من القافية، وأصدر جوجت ستّ دواوين، منها "ليالي الهرم"، وألحان مصرية"، و"الله، والنيل، والحبّ"، إلى جانب روايتين، وسبع مجموعات قصصية، وعدد من كتب الرحلات، وغنّى العديد من المطربين أشعاره، مثل عبد الوهاب وأم كلثوم وفريد الأطرش وليلى مراد ومحمد فوزي.