تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم 18 كانون الأول/ ديسمبر ذكرى ميلاد الباحث التونسي في التراث سعد غراب (1940 - 1995).
بقي التراث مفهوماً مشوّشاً في الثقافة العربية، نظراً لالتباسه وحمولته العاطفية التي عقّدت تناوله علمياً، كما أن حضوره الطاغي في الخطاب الفكري، والسجالات المتوترة المتعلقة به، أحدث حالة من تنفير الباحثين حوله.
في تونس، حاول سعد غراب، أحد المشتغلين على التراث، أن يضعه ضمن أطر منهجية ونظرية تبعده عن تلك الأجواء المشحونة التي تحط به في الفضاء العام، ويُعدّ كتاباه: "كيف نفهم التراث" و"العامل الديني والهوية التونسية" أهم منجزين له في هذا الإطار.
حين بدأ تحصيل المعرفة الجامعية لم تكن دراسة التراث مستقلة بذاتها، فدرس في "دار المعلمين العليا" بتونس، حيث تحصّل على الإجازة في اللغة والآداب العربية عام 1964، ثم اتجه إلى ليون بفرنسا حيث نال شهادة التعمّق في البحث عام 1966، ومن ثم عاد إلى تونس للتدريس، وبالتوازي كان يعدّ أطروحة ناقشها عام 1983 في "جامعة السوربون" بباريس، ويبدو أنه خلال هذه المرحلة قد بلور انشغاله المعمّق بالتراث.
كانت أطروحته بعنوان "ابن عرفة والمذهب المالكي بأفريقية في القرن الثامن الهجري"، وقد انهمك بعدها في العمل على تحقيق المخطوطات، خصوصاً ضمن الفكر الإسلامي في المغرب العربي، ويُحسب له تحويل الكثير من النصوص التي تُقرأ من منظور فقهي إلى أعمال ذات وجه فكري، حيث أضاء الجدالات الكلامية بين المذاهب، وذهب إلى استقصاء مسلّماتها المنطقية والفلسفية.
تولّى غراب مسؤوليات جامعية كثيرة أبرزها عمادة "كلية الآداب بمنوبة" من 1987 إلى 1991، ومن ثمّ انتقل إلى رئاسة "المؤسسة الوطنية للترجمة والتحقيق والدراسات" الذي صار لاحقاً "المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون"، كما انتُخب مديراً لـ"المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم"، وتوفّي وهو على رأسها في صيف 1995، وكان ذلك في مدينة الدار البيضاء المغربية حيث كان يشارك في أحد المؤتمرات.