تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم السادس من كانون الثاني/ يناير، ذكرى ميلاد الملحن المصري زكريا أحمد (1896 – 1961).
بفضل مركزية تجربتها في تاريخ الفن العربي، أخذ ملحّنو أم كلثوم مواقع متقدّمة في الساحة الإبداعية، كرياض السنباطي ومحمد القصبجي وبليغ حمدي ومحمد الموجي، وإلى هذه الفئة ينتمي كذلك الملحن زكريا أحمد، الذي يتميّز بكونه الأكثر حرصاً على نقاوة اللحن العربي وأصالته.
اكتسب أحمد الحسّ الموسيقي من تلاوة القرآن، وقد كان أبوه من مجوّديه، وكان منفتحاً على سماع التواشيح، فلما دخل الابن الكتّاب، ثم المدرسة، وصولاً إلى الأزهر، عُرف بصوته الجميل، وكان يُطلب منه أن يرتّل القرآن والإنشاد الديني.
لكن زكريا أحمد لم يكن يريد أن يبقى رهين هذه الدائرة الصغيرة، فذهب ليدرس الموسيقى عند بعض من يعلّمها من الشيوخ، مثل درويش الحريري وعلي محمود وإبراهيم القباني.
حين اكتملت عدّته، بدأ التلحين عام 1924 مع فرق مسرحية مثل: "فرقة علي الكسَّار"، و"فرقة نجيب الريحاني"، ولفت انتباه منيرة المهدية، فلحّن عدداً من الأغاني لها.
لكن المنعطف الذي وضعه في دائرة الضوء كان حين التقى الشاعر بيرم التونسي وأم كلثوم، في بداية الثلاثينيات، وقد اشتهر بشكل خاص لحنه "غني لي شوي شوي" الذي أطلقته السينما لجمهور واسع، قبل أن ينتقل في مرحلة تالية لتلحين المطوّلات.
تبدأ هذه المرحلة في الأربعينيات، حين قدّم لوناً موسيقياً محبوباً لكل المستمعين: "أنا في انتظارك"، "الأمل"، "أهل الهوى"، "حلم"... حيث جمع بين البساطة والأصالة والمعاصرة بشكل لافت، وقد بقي هذا اللون مرتبطاً به، وهو مزيج بين الطقطوقة والأغنية الحديثة، حيث لم يواصل في نهجه أي ملحّن.