تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، العاشر من آذار/ مارس، ذكرى ميلاد الفنان التشكيلي الفلسطيني توفيق عبد العال (1938 - 2002).
تنتمي تجربة توفيق عبد العال الذي تمرّ اليوم الأحد ذكرى ميلاده، إلى مرحلة مُؤسِّسة في تاريخ الحركة التشكيلية الفلسطينية، إذ نزع معظم الفنانين خلال عقدَي الخمسينيات والستينيات إلى إعادة إنتاج التراث بمختلف المراحل التاريخية التي يمثّلها، وتصوير المكان عبر استعادة الذاكرة كرّدة فعل على النكبة عام 1948.
ملامح أولى برزت منذ أن أقام الفنان التشكيلي الفلسطيني (1938 – 2002) معرضه الأول في عالية بلبنان، وستظهر بوضوح في معارضه اللاحقة حيث شكّل بحر عكّا فضاء أساسياً للوحته، موثّقاً الحياة اليومية في مسقط رأسه، ومشاهدها التي تتمحور حول الأزرق المترامي والمراكب والصيّادين وشباكهم، وهي مفردات ظلّت حاضرة في معظم أعماله بين التشخيص والتجريد.
اختار عبد العال أن يقارب اللحظة الفلسطينية المعاصرة وإبراز مفردات مستوحاة من الواقع الذي عاشه في طفولته قبل أن يُهجَّر من مدينته، وهو في العاشرة من عمره، في مغايرة عن تجارب بارزة لتشكيليين فلسطينيين استدعت الأسطورة والرموز التاريخية كما عبّر عنها مصطفى الحلّاج وعبد الرحمن المزيّن وآخرين.
درس الراحل مبادئ الفن والتصوير على يد معلّمه جورج فاخوري، الذي عمل مدرّساً للحساب والعلوم الطبيعية والأشغال اليدوية والرسم والخط العربي في عدد من مدارس فلسطين، حيث خطّ عبد العال أولى رسوماته طفلاً متعلّقاً بالبحر الذي سيشكّل عنوان المرحلة الزرقاء التي امتدّت حتى سبعينيات القرن الماضي قبل انتقاله إلى لوحة تنزع نحو الغموض والتأمّل.
جماليات الأزرق تعكسها اللوحات التي حملت عناوين "أحلام الصيّاد"، والجاروفة"، و"مواويل فلسطينية"، و"خريف البحر"، و"مدينة الأحلام"، و"شاطئ الأماني"، وجميعها مؤرّخة في عام 1966، في تشكيل أيقوني للبحر في موازاة لبوروتريهاته النسائية التي كانت معظم شخصياتها متفاعلة مع البحر أو الطبيعة غالباً.
في تلك المرحلة، ظهرت مفردات أخرى ذات صلة وثيقة بالهوية والوطن بعد هزيمة حزيران/ يونيو 1967، ومع صعود الثورة الفلسطينية، ومنها نساء في زيِّهنَّ الشعبي والحصان والصبّار وأسراب الحمام، كما استحوذت الشمس على حيّز كبير في لوحاته.
اختبر عبد العال أيضاً النحت بالخشب في تجربة تناولت الجسد الإنساني بشكل خاص، في أعمال تنتمي إلى النحت الثنائي الغائر الأبعاد أكثر من انتمائها للنحت بمفهومه التقليدي العام، كما يشير الفنان الفلسطيني ناصر السومي في تقديم المعرض الاستعادي لعبد العال الذي أقيم في بيروت عام 2018، مضيفاً أنّ "موضوع المرأة الأثير لديه، استأثر على مجمل منحوتاته الخشبية؛ لا زوايا ولا تكوينات حادّة بل انحناءات وتعرُّجات رقيقة هادئة تغلق وجوه وأجساد نسائية".
رغم غزارة إنتاجه إلّا أنّ أعماله تعرّضت للتدمير أكثر من مرّة على يد العدوّ الصهيوني، أوّلها في قصف وقع في أيلول/ سبتمبر 1982 استهدف "دار الكرامة" التي أقام فيها معرضه آنذاك، كما أحرقوا مرسمه وأرشيفه الذي كان في "مستشفى عكا" بمخيم شاتيلا بعد مجزرة صبرا وشاتيلا في العام نفسه، كما تعرّض منزل عائلته، حيث بقيت لوحاته، إلى القصف في حرب تموز/ يوليو سنة 2006، فتضرّر جزء منها.
لكن اعتداء أعنف تعرّض له عبد العال شخصياً عام 1987، وقع حين حاولت ميلشيات لبنانية اغتياله، حيث جرى تحطيم زجاج نظّارته على عينيه ممّا أدّى إلى فقدانه البصر بالتدريج، إلى أن أصبح كفيفاً فغدت صلتُه باللوحة من خلال إضافة اللون إلى رسومات تدريب على الخط نفّذها في سنوات ماضية، ثم توجّه إلى الكتابة في محاولات شعرية دوّنها في عدد من النصوص.
يلخّص الفنان الراحل تجربته في مقابلة صحافية بالقول "لم أرسم النكبة، بل كنت أرسم انطباعاتي عن فلسطين ولبنان، رسمت الثورة قبل انطلاقة الثورة، رسمت لوحة اسمها 'لن يسقط العلم' تمثّل فدائيّاً سقط، وفدائيّاً آخر يتسلّم منه راية الثورة، ولوحات 'رقصة السلاح' و'أنشودة شعب' و'معاً إلى فلسطين'، ومع انطلاقة الثورة استبدلت الفدائي بالفارس، وانتقلت من الأسلوب الانطباعي التجريدي إلى الأسلوب السريالي..".