تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها في محاولة لإضاءة جوانب من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، السابع والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر، ذكرى ميلاد المخرج المصري توفيق صالح (1926 – 2013).
في كتابه "سينما توفيق صالح"، يشير الناقد والمترجم محسن ويفي إلى منع وزارة الداخلية المصرية فيلم "المتمردون"، إلى أن شاهده جمال عبد الناصر شخصياً، ثم أصدر قراراً "تاريخياً"، على حد وصف الكتاب، بعرضه، رغم إشارة الكتاب نفسه إلى عرض "الأفلام الرخيصة" بدءاً من عام 1952 وحتى سنة 1967.
يعتقد كثيرون أن الفيلم الذي أفرج عنه الرئيس المصري الراحل قد تنبأ بـ هزيمة حزيران/ يونيو قبل وقوعها بنحو عام، وهو مقتبس عن رواية للصحافي صلاح حافظ تحمل العنوان نفسه، ويروي أحداثاً تدور في مستشفى للسل الرئوي التي كانت مصر تكافحه بشّدة قبل القضاء عليه، حتى يصاب الطبيب عزيز بالمرض فيدخل إلى المستشفى ليكتشف حجم الفساد وسوء الأحوال فيه، فيتفجّر بعدها بين المرضى والإدارة فيعلنوا الثورة عليها، وحين يسيطرون على المستشفى يفشلون في إدارتها، فتعود الإدارة الفاسدة إلى مواقعها مرة أخرى؛ فيلم يلخّص مصير حركة يوليو 1952، بتوقيع المخرج المصري (1926 – 2013) الذي تحلّ ذكرى ميلاده اليوم الثلاثاء.
وُلد صالح في الإسكندرية لأب يعمل طبيباً يعمل في الموانئ، وبحكم ظروف عمل والده فقد قضى طفولته المبكرة متنقلا بين عدة عدة مدن ساحلية مختلفة، وتلقّى تعليمه في "كلية فيكتوريا" برفقة يوسف شاهين حيث استمرّت صداقتهما بعد ذلك، ثم نال درجة البكالوريوس في الأدب الإنكليزي حيث اشتغل في المسرح خلال سنوات الدراسة الجامعية، ليمنح بعدها بعثة لدراسة السينما في باريس.
أراد الاشتباك أكثر مع المجتمع المصري وأزماته من خلال سينما محترفة
عاد من فرنسا محمّلاً بالأفكار الثورية وتحذوه رغبة بتغيير حال السينما المصرية والعالم بأسره، في فترة عمل فيها مخرجون مثل صلاح أبو سيف وأمل التلمساني ويوسف شاهين وأحمد بدرخان، حيث أراد الاشتباك أكثر مع المجتمع وأزماته من خلال سينما محترفة لكنه واجه معوقات عديدة حالت دون المضيّ في مشروعه بسهولة.
في هذه المرحلة الحرجة، قدّم صالح وعدد من المخرجين المصريين أعمالاً انتقد خلالها العديد من ممارسات الحكم الناصري وإخفاقاته، وبالطبع لم توافق الرقابة على أعمالٍ أخرى، فبعد أن أخرج "درب المهابيل" عام 1954، عن قصة نجيب محفوظ تتناول الصراع بين المبادئ والمصالح، ثم قدّم "صراع الأبطال" سنة 1962 عن معاناة طبيب في مكافحة الكوليرا في إحدى القرى المصرية.
أتى فيلم "السيد البلطي" (1967) لينتقد عبادة الفرد من خلال عمل يصوّر مجتمع الصيادين الذين عندما غاب قائدهم السيد البلطي ذهب كلّ صياّد إلى طريق مختلفة، وأن الأساطير التي نسجت حول زعيمهم لم تؤدي إلا إلى الهزيمة، لكن الفيلم سحب بعد عرضه.
أخرج صالح أيضاً فيلم "يوميات نائب من الأرياف" عن رواية بالعنوان ذاته لتوفيق الحكيم، وكذلك فيلم "المخدعون" عن رواية "رجال في الشمس" لغسان كنفاني عام 1972 وأُنتج في سورية، ويروي قصة ثلاثة شخصيات من أجيال مختلفة وظروف مختلفة لا يجمع بينهم سوى محاولتهم الوصول إلى الكويت للبحث عن فرصة حياة أفضل.
لم يتمكّن صاحب فيلم "الأيام الطويلة" (1980) من تحقيق العديد من أحلامه بسبب صعوبات تبني العديد من الروايات والسيناريوهات سينمائياً، ورغم قلّة ما قدّمه على امتداد ثلاثة عقود، إلا أن بعض أفلامه كانت علامة استثنائية في السينما المصرية، إلى جانب إخراجه سبعة أفلام تسجيلية قصيرة تبرز إمكانياته في السينما الوثائقية، وهي: "كورنيش النيل" (1956)، و"فن العرائس" (1957)، و"نهضتنا الصناعية" (1959)، و"من نحن" (1960)، و"نحو المجهول" (1960)، و"القلة" (1961)، و"فجر الحضارة" (1977).