ذكرى ميلاد: الطيب صالح.. رواية الأسئلة الحرجة

12 يوليو 2021
(الطيب صالح، 1929 - 2009)
+ الخط -

تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الثاني عشر من تموز/ يوليو، ذكرى ميلاد الروائي السوداني الطيب صالح (1929 – 2009).


لا تزال تشكّل رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" للطيب صالح، الذي تحلّ اليوم الإثنين ذكرى مولده، علامة فارقة في المدونة الروائية العربية لأسباب عديدة، فالعمل الذي صدر عام 1966 استطاع أن يفكّك العلاقة بين الشرق والغرب في لحظة تنامي حركة التحرّر الوطني في العالم العربي وأفريقيا تحديداً، ولكن موضوعها متجدّد إلى اليوم ويمثّل نموذجاً صالحاً لدراسة أدب ما بعد الاستعمار.

كما أن الروائي والقاص السوداني (1929 – 2009)، قدّم طروحاته الفكرية في سرد يتميّز بكثافته وغناه، مستخدماً تقنيات الرواية المعاصرة المستندة إلى تيار الوعي والتداعي، بالإضافة إلى براعتة في تصوير شخصياته وسبر أعماقها وصراعاتها النفسية التي تتجاوز الحدث نفسه، بحيث أصبحت من أكثر الشخصيات الروائية العربية تأثيراً التي شغل مصيرها القرّاء على اختلاف مستوياتهم وخلفياتهم.

طرح صالح أسئلة حرجة تتصل بالهوية وموقع المثقف ودوره في تعريف نفسه وعلاقته بتراثه وحضارته واستعداده لمقاربتها بصورة نقدية، وكذلك علاقة الجنوب بالشمال المركّبة من الانبهار والكراهية معاً، في أسلوب متماسك ومقنع دون تكلّف أو افتعال، في إطار تناوله للعديد من القضايا ذات الصلة، مثل الفساد السياسي ومكانة المرأة وبنية المجتمع السوداني.

طرحت رواية "موسم الهجرة إلى الشمال"  علاقة الجنوب بالشمال المركّبة من انبهار وكراهية 

مصطفى سعيد، بطل الرواية، سيقدّم سيرته منذ حصوله على بعثة دراسية زمن الاستعمار البريطاني للسودان، حيث سافر إلى القاهرة ومنها إلى لندن، حيث أتمّ تعليمه بنيل درجة الدكتوراه في الاقتصاد وبلغ درجة الأستاذية في واحدة من أعرق جامعاتها، لكن اتصاله بالثقافة الغربية وانفصاله عنها سيكون من خلال علاقاته بالنساء اللواتي تسبّب بانتحارهن وقتل واحدة منهن ليصدر بحقه حكم بالسجن لسبع سنوات.

رُسمت نهاية لشخصيات العمل الأساسية بصورة تحمل دلالات معمّقة، وربما لا تزال حاضرة في عالمنا اليوم، حيث شخصية جين مورس التي تمثّل التفوق الغربي ستُقتل على يد مصطفى سعيد الذي يعكس تناقضات المستعمَر والذي سيغرق في نهر الليل ويختفي، وهنا يبدو أن الشرق لم يعد شرقاً وكذلك الغرب لم يبقى غرباً، في عالم ما بعد الاستعمار الذي تراكبت فيه الهويات ولم يعد ممكناً محو تأثير الآخر والتشوّهات التي نتجت عن العلاقة معه.

لم تحقّق أي من أعمال صالح المولود في قرية كرمكول، شمال السودان، الشهرة التي أصابتها رواية "موسم الهجرة إلى الشمال"، حيث تُرجمت إلى عشرات اللغات، لكن موضوعات أعماله الأخرى تحمل أهميتها أيضاً بالنظر إلى تطرّقها إلى قضايا السياسة والمجتمع السوداني بعد الاستقلال.

حاز صالح درجة البكالوريوس في العلوم من "جامعة الخرطوم" ثم أكمل دراساته العليا في الشؤون الدولية والسياسية في لندن، وعمل في التعليم فترة قصيرة ثم عمل لسنوات طويلة في القسم العربي لهيئة الإذاعة البريطانية، ثم انتقل للعمل في الإذاعة السودانية، وسافر بعدها إلى الدوحة ليعمل في وزارة الإعلام.

ألّف عدّة روايات "ضو البيت: بندر شاه"، و"عرس الزين"، و"مريود"، كما كتب مجموعات قصصية، منها "نخلة على الجدول"، و"دومة ود حامد"، ومؤلّفات أخرى، مثل "المضيئون كالنجوم من أعلام العرب والفرنجة"، و"للمدن تفرد وحديث"، و"في صحبة المتنبي ورفاقه"، و"ذكريات المواسم".

المساهمون