ذكرى ميلاد: إدواردو غاليانو.. تاريخ مضادّ للاستعمار والتبعية

ذكرى ميلاد: إدواردو غاليانو.. تاريخ مضادّ للاستعمار والتبعية

03 سبتمبر 2023
إدواردو غاليانو (Getty)
+ الخط -

تستعيد هذه الزاوية شخصيّة ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الثالث من أيلول/ سبتمبر، ذكرى ميلاد الكاتب الأوروغوياني إدواردو غاليانو (1940 - 2015).



في عام 1971، أصدر إدواردو غاليانو كتابه "شرايين أميركا اللاتينية المفتوحة"، الذي تضمّن أشرس انتقاداته للاستعمار الأوروبي، في خمسة قرون من النهب المتواصل لثروات القارة، ليُحظر الكتابُ من قبل الحكومات العسكرية التي كانت تحكم آنذاك تشيلي والأرجنتين، وكذلك بلاده أوروغواي حيث سُجن ثم نُفي لأحد عشر عاماً. 

يعود الكاتب الأوروغوياني (1940 - 2015)، إلى رحلة كولومبوس إلى الأميركيّتين سنة 1492، والتي تسبّبت في احتلال إسبانيا والبرتغال لـ"العالم الجديد"، وارتكاب جرائم لا تُحصى، بدءاً من الإبادة الجماعية للسكّان الأصليّين، مروراً بسرقة الموارد واستغلالها، وليس انتهاءً بفرض العبودية القسرية. ورغم استقلال بلدان أميركا اللاتينية، فإنّ الولايات المتّحدة أعادت في النصف الثاني من القرن العشرين استعمار هذه البلدان اقتصادياً من خلال الديون ودعم السياسات النيوليبرالية.

في هذا الكتاب، تحضر مقولة غاليانو بأنّ الفقر ليس قدراً ينتظر شعوب قارته، وأنّ التأخر ليس كذلك، إنما هما نتاج توسّع إمبراطوري من أجل الحصول على مناجم الذهب والفضة والمعادن المنتشرة من خليج المكسيك إلى أقصى جنوب تشيلي، وأمسكت إسبانيا قبضتها عليها بعد قتل أكثر من سبعين مليوناً من السكّان الأصليين للأميركيتين. وفي مسار موازٍ، نقل البرتغاليون ما يُقدَّر بعشرة ملايين الأفارقة للعمل بالسخرة في مزارع السكّر والتبغ والأخشاب ومناجم الذهب خلال استعمارهم للبرازيل.

استند الكاتب الأوروغوياني إلى معرفة غنية بحقول متعددة كالسياسة والاقتصاد وعلم الاجتماع

في تحليله لتاريخ قارّته، استند صاحب كتاب "الأغنية التي لنا" إلى معرفة غنية بحقول متعدّدة؛ كالسياسة والاقتصاد وعلم الاجتماع، واستيعاب للأدبيات المناهضة للتبعية، ومنها مؤلَّفات المُنظّر الأميركي من أصل ألماني أندريه جوندر فرانك، وعالم الاجتماع البرازيلي سيلسو فورتادو، ليُقدّم صورة بانورامية دقيقة وموضوعية، بلغة سردية رشيقة وجذّابة في آن، حيث يضيء الفصل الأوّل، "فقر الإنسان كنتيجة لثراء الأرض"، سلوك الغزاة الأوائل المبنيّ على الجشع في امتلاك خيرات أميركا اللاتينية، واستغلال أرضها وشعبها، وإحداث فوارق طبقية هائلة لم تكن موجودة قبل الاستعمار، ويحلّل الفصل الثاني، "التنمية رحلةٌ غرقاها أكثر من مبحريها"، المساعي الحثيثة التي بذلها الاستعمار من أجل إجهاض الصناعة والتنمية في القارة، وينتهي الكتاب بفصل أضافه غاليانو بعد سبع أعوام من صدور الطبعة الأُولى، وفيه تطويرٌ لبعض الأفكار حول الاستعمار والإمبريالية والتبعية.

"أنا كاتب أودّ المساهمة في إنقاذ الذاكرة المختطفة لأميركا كلّها" هي المقولة التي دفعت غاليانو لمواصلة عمله من موقع الصحافي المثقّف الذي ينهل من التاريخ والأنثربولوجيا والاقتصاد لمعاينة أزمات قارّته التي راكمها في جملة أعمال تحمل رمزية كبيرة، عبر إحياء نموذج من القصّ التاريخي بات يمثّل جميع شعوب الجنوب.

واصل غاليانو مشروعه في كتاب "ذاكرة النار" الذي يروي فيه تاريخ أميركا اللاتينية في ثلاثة مجلّدات؛ الأوّل "سفر التكوين"، ويغطّي فترات ما قبل كولومبوس والتاريخ اللاحق حتى عام 1700، بينما يقدّم الثاني، "الوجوه والأقنعة"، فترة القرن التاسع عشر، ويستكمل في المجلد الثالث، "قرن من الريح"، الرواية حتى العصر الحالي، ويلخصّ ذلك بقوله: "أنا كاتب مهووس بالتذكّر، بتذكّر ماضي أميركا، والأهم ماضي أميركا اللاتينية، الأرض الحميمة المحكومة بفقدان الذاكرة".

كما أصدر العديد من المؤلّفات، منها: "كتاب المعانقات"، و"كرة القدم في الشمس والظلّ"، و"صيّاد القصص"، و"أفواه الزمن"، و"كلمات متحوّلة"، و"مرايا: ما يشبه تاريخاً للعالَم"، و"رأساً على عقب: تعليمات أُولى في عالم الصورة المنعكسة"، و"أطفال الزمن: تقويم للتاريخ البشري"، و"أبناء الأيام"، وغيرها.

المساهمون