تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الثالث من آب/ أغسطس، ذكرى الباحث والمحقّق المصري أحمد الشايب (1896 – 1976).
مزج أحمد الشايب، الذي تحلّ اليوم الثلاثاء ذكرى ميلاده، أفكاراً مستمدّة من معرفته الواسعة في التراث العربي واطلاعه على تنظيرات الحداثة الغربية، في مجموعة من مؤلّفاته النقدية التي أصدرها منذ الأربعينيات، التي شكّلت محاولة في تأصيل النقد العربي الحديث الذي سادته القراءات الانطباعية في النصف الأول من القرن الماضي.
وضع الباحث والمحقق المصري (1896 – 1976) تصوّراته التي لاقت اهتماماً في دوائر أكاديمية آنذاك، من خلال كتابيه "الأسلوب: دراسة بلاغية وتحليلية لأصول الأساليب الأدبية" (1939) و"أصول النقد الأدبي" (1940)، حيث درس في الأول علاقة الأسلوب بالموضوع الأدبي وكذلك علاقته بالكاتِب مستأنساً بالمناهج الغربية في تناوله خصائص الأجناس المستحدثة في الأدب العربي مثل الرواية والمسرح والشعر الحديث، وفهم موقع البلاغة من مجمل علوم اللغة والتفريق بينها وبين النقد الأدبي، حيث تعنى البلاغة بالأسلوب بينما يهتمّ النقد بالأسلوب والمعنى معاً.
ومثلما استطاع أن يتجاوز علوم البلاغة القديمة ويقترب كثيراً من المناهج التجريبية الحديثة في دراسة الأدب دون أن يمضي بها بعيداً، فعل الشيء نفسه حين قارب في كتابه الثاني تطوّر الأدب منذ العصر الجاهلي حيث يشير إلى عدم تحديد معناه قبل الإسلام وكذلك عدم وروده في القرآن، ثم يقرأ نماذج شعرية لاحقة وفي مقدّمتها نصّ للمتنبي مركزاً على العاطفة باعتبارها أبرز عناصر القصيدة والذي ينبثّ منه الخيال، لكن معالجاته التطبيقية لم ترق إلى مستوى ما يطرحه من أفكار تجديدية.
استطاع أن يتجاوز علوم البلاغة القديمة ويقترب كثيراً من المناهج التجريبية الحديثة
في كتابه "أحمد الشايب ناقداً"، يبيّن الكاتب المصري أحمد درويش أن تجربة الشايب أتت في مناخ شهدته الثقافة المصرية مع بروز أسماء مثل طه حسين وأحمد ضيف سعت إلى التقاط التجديد الذي عاشه الأدب العربي في بدايات القرن العشرين، وبدء حركة نقدية عبّرت عنها كتابات عباس محمود العقاد وميخائيل نعيمة ومحمد حسين هيكل وسليمان البستاني وآخرين.
ويشير إلى أن اتصال الشايب بالكتابة النقدية يعود إلى مقالاته الصحافية خلال العشرينيات، والتي "أظهرت حماسه إلى تجديد الأدب وهزّ أسس الجمود التي استراح إليها التعبير الأدبي قروناً متعدّدة" من خلال نظرة تأخذ بالاعتبار التراث العربي، حيث ناقش فيها ماهية الأدب المصري ولغته وأسباب عزوف الناس عن قراءة الأدب القديم من خلال طرح العديد من التساؤلات الجريئة خاصة تلك المتعلّقة بتأثير الزمان والمكان على الإنتاج الأدبي، والاهتمام بلغته وليس بمضمونه فقط.
لم يحصل الشايب على بعثة دراسية في أوروبا مثل العديد من مجايليه من الأكاديميين، ولم يتعلّم أيضاً في مدارس بريطانية وفرنسية نشطت خلال تلك الفترة في مصر، حيث التحق بمدرسة "دار العلوم" بالقاهرة، وتخرج منها عام 1918، وعمل مدرساً في عدد من مدارس بنها والإسكندرية والعاصمة المصرية، قبل أن يُطلب للتدريس في "الجامعة المصرية" بعد افتتاحها، ويتدرّج في سلّم الترقية إلى أن شغل منصب أستاذٍ لكرسي الأدب العربي حتى رحيله، دون أن يحصل على درجة الدكتوراه.
وألّف العديد من المؤلّفات؛ منها "تاريخ الشعر السياسي إلى منتصف القرن الثاني الهجري" (1945)، و"تاريخ النقائض في الشعر العربي" (1946)، إلى جانب تحقيق العديد من دواوين الشعر العربي القديم لكلّ من زهير بن أبي سلمى، وعلي بن أبي طالب، والبهاء زهير، والشريف الرضي، وابن حمديس الصقلي، وجرير، والأخطل وغيرهم.