"دُمى" جمال الشريف.. حضورٌ بدّده الشتات

01 يناير 2023
(من المعرض)
+ الخط -

واقعٌ مفتوحٌ بموادّه وتشكيلاته التي تُفضي إلى موضوعة الحرب والهجرة، كذلك يمكنُ تلخيص معرض "دُمَى"، للفنان الليبي جمال الشريف، الذي اختُتم يوم أمس في "براح للثقافة والفنون" بمدينة بنغازي.

تماثيل صغيرة ليست عمليةُ النحْت والتركيب مقتصرة عليها وحسب، بقدر ما هي عملية مشدودة إلى خيار التأمّل في حال بلدٍ وشعب، وبهذا تُصبح الدمية تكثيفاً رمزياً ينهضُ كنوع فنّي فريد ضمن حقول النحت. بمعنى آخر، إنّ الموضوع رفَد الشكل، حتى أعاد له مكانته، إذ قلّما يحضر في المشهد الفني العربي هذا النوع من المنحوتات.

من ناحية أُخرى، تفرض الدُّمَى جوّاً سحرياً يُذكّر بعلاقة الإنسان الأولى مع الطِّين، والمنحوتات البدائية التي تُكتَشف بتواتر، لتضعنا أمام مُنجزاتٍ حضارية مختلفة. لذا فإن إعادة الشريف تموقع الدمية، بوصفها علامة، في سياق الراهن ومجرياته، هو ضربٌ من الاستلاف الأسطوري.

وعَبْر التاريخ، شهدتِ العملية النحتية تلازُماً مع الموادّ النفيسة، كالمعادن النادرة والغالية، إذ سعى الفنان من خلال ذلك إلى تثمين عمله، وإضفاء قيمةٍ خارجية عليه. ولكن في العصر الحديث، لم تعُدِ القيمة منوطة بالمادة فقط، إنما متعلّقة بما يريد العمل الفني قوله، وإن كان قوام التماثيل الخشب والمعادن والأوراق، فأيُّ شيءٍ يُمكن لـ"دُمى" جمال الشريف أن تُخبّر عنه؟

الصورة
من معرض جمال الشريف - القسم الثقافي
من المعرض

لا يحتاجُ الأمر لطول تأمّل حتى يُوضع المتلقّي في ما عايشته البلاد خلال السنوات العشر الأخيرة، وهو واقع تتقاطع فيه دول عربية عديدة، حيث حطّمت الحرب الآمال، وشوّهت حياة الإنسان الذي تاق إلى الحرية والخلاص، ورَسْمِ حياة سياسية أكثر إنصافاً وعدلاً.

تُفصِحُ الدُّمّى عن حالة تَعَب وشقاء، وانقطاع للوَصْل وحضور للشتات والنزوح، أجسادٌ بدّدها الوقت والانتظار، وهشاشة تُخيّم على الغاية المركزية للأعمال، وإن بقي شيءٌ من عكس ذلك، فهو متروكٌ للهوامش.

المساهمون