ينصُّ القانون الثالث من قوانين نيوتن للحركة في الميكانيكا التقليدية على أنَّ القوى تنشأ دائماً بشكل مزدوج؛ حيث يكون لكُلّ فعل ردّ فعل مساوٍ له في المقدار ومُعاكس له في الاتجاه، وتعيينُ إحدى القوّتَين كفعل والأُخرى كردّ فعل هو تعيين تبادُلي؛ بحيث يمكن اعتبار أيّ من القوّتَين "فعلاً" في حالة اعتبار الأُخرى "ردّ فعل"، والعكس صحيح.
هذا قانون فيزياء قارّ، لا يمكن تبديله ولا الانحراف عنه، لأنّه واحد من حقائق الدنيا وسنن الكون، اكتشفه صاحبُه، في زمنه المتأخّر، وسمّاه فقط، بينما كان المُسمَّى يقبع كما هو منذ نشأة الحياة. وما ينطبق على الفيزياء ينطبق على السياسة.
وعليه، نقول لعدوُّنا ولمخانيث الصهاينة العرب، الذين وقفوا مع الجلّاد منذ أوّل لحظة من هذه الملحمة: ذوقوا مما أطعمتمونا على مدار الوقت.
لقد قتلت عصابات الاغتصاب نحو 15 ألفاً من شعبنا الفلسطيني في أكثر من سبعين مجزرة، منذ أن احتلّ الصهاينة أكثر من 78% من فلسطين التاريخية، ودمّرت نحو 530 قرية وبلدة، بينما عانى حوالي 850 ألف فلسطيني من التطهير العرقي بين عامي 1947 و1949 للسماح بإقامة كيان وظيفي يخدم الاستعمار الغربي.
لكُلّ فعلٍ ردُّ فعل مهما تأخَّر.
وفلسطين دراما بلا حلٍّ سوى المقاوَمة. ولا بدّ أن يسود صوت المثقَّف العربي ضدّ ما يفعل أصحاب التطبيع في غير بلد وزمرتهم التي باعت.
المقاوَمة فقط، وبالكفاح المسلَّح. هذا أمر لا مفرّ منه، مهما شاعت ثقافة التيئيس والتبخيس.
أتذكَّر منذ أوائل القرن العشرين، ونحن نقاوم: أتذكّر على سترة الغبار الأُولى، كانت هناك دوماً صورة لوجه الفدائي الشهيد، تعمل كأيقونة.
أتذكّر آخر لقاء مع طيّب الذكر جورج حبش، في جبل اللويبدة بعمّان، وهو على فراش المرض: قال إنّ المقاومة الوطنية فعلت ما تستطيع، والآن جاء دور المقاومة الإسلامية.
كان هذا قبل عقدَين ونيّف.
دار الزمن دورته، وها يد أبنائنا تحمل الراية باقتدار، بينما في الجانب المقابل، ثمّة عربان النفط يطبّعون مع العدو، ويستمدّون شرعيتهم منه، تحت وفوق الطاولة. وكلُّ هذا لا شيء، مهما بدا دراماتيكياً.
الدم الفلسطيني واضح، لا يحتمل الغموض. وفلسطين تَرجع بالنضال، مهما يكن الثمن. وهذا هو الأهمُّ، والمرجعي.
لم يحدث الآن وحسب، بل على مرّ السنين. وليس هنا، بل في جميع أراضي البشر المعذَّبين.
بلادنا تكتسب في عقولنا وأرواحنا، معنى أبهى، كلَّ ساعة. وشهداؤنا، يظلّون مصدر إلهام لنا على طول ووحشة الطريق.
إنّه الدم المبذول، وبعد ذلك، تقريباً بشكل لا إرادي، يَظهر جمالُ فلسطين الفاحش.
إنّها أعلى من وصف الجنّة المفقودة، التي كانت منّا وكنّا وسنبقى جزءاً منها. أمّا اليوم، فإنّ ما هو أكثر قيمةً في هذه اللحظات الحاسمة، لهو على وجه التحديد أن نعود إلى ألف باء الجرح، وألّا نتلعثم حين نتكلّم عن تمجيد المقاوَمة كمثقّفين.
* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا