خلف جدران "الأبد" السوري.. الملامح الأدبية لتجربة الاعتقال السياسي

30 ابريل 2024
وقفة في برلين للمطالبة بالإفراج عن المُعتقلين في سجون النظام السوري، 7 مايو 2022 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في مكتبة الأدب السوري، يُبرز رف لأدب السجون يعكس تداخل الأدب بالسياسة خلال عقود من الديكتاتورية، مع التركيز على فترة حكم حزب البعث والأسدين، مشيرًا إلى استمرارية معاناة المعتقلين والمغيبين قسريًا.
- "منتدى تفاكُر للحوار والثقافة" في برلين نظّم ندوة تناولت الاعتقال السياسي في سوريا، بمشاركة كتّاب ومعتقلين سابقين، مستعرضين تأثيرات السجون على النفس البشرية والأدب السوري، خصوصًا بعد الثورة السورية.
- الجامعات السورية تمارس الرقابة على أدب السجون، ما يعكس القمع الثقافي والأكاديمي، بينما يؤكد النقاد على أهمية هذه الأعمال في توثيق ونقل القصة السورية بواقعية قاسية للأجيال القادمة.

في مكتبة الأدب السوري رفٌّ طويلٌ عريض مُخصَّص لأدب السجون، فتعالُق الأدب والسياسة في زمن الديكتاتورية المديد عُبّر عنه بغزارة طيلة أكثر من خمسة عقود، مع العِلم أنه يمتدّ أبعد من ذلك لو أردنا توسيع الحديث ليتعدّى فترة حكم حزب البعث، أو الأسدين الأب والابن؛ الفترة الأثقل والأفظع بطبيعة الحال، والتي لم تُطوَ صفحتها بعد، وما زال في سجونها آلاف المُعتقلين والمُغيّبين والمُختفين قسريّاً. هذه الوضعيّة فرضت سؤالاً مفادُه: كيف يُمكن لإنسان تعرّض لتجربة اعتقال فظيعة أن يعود إلى كينونته البشرية، أن يجلس أمام الحاسوب أو أن يُمسك بقلم ويكتب؟ 

في محاولة للإجابة عن هذا السؤال، نظّم "منتدى تفاكُر للحوار والثقافة" في برلين، مساء الجمعة الماضي، ندوة افتراضية عبر "زووم"، حملت عنوان: "الاعتقال السياسي في سورية: التجربة والأدب"، قدّمها الكاتب كمال شاهين، وشارك فيها كلٌّ من مصطفى خليفة وراتب شعبو ومحمد برّو، إلى جانب الناقد أحمد جاسم الحسين.

مارست الجامعات السورية الرقابة على أدب السجون ورفضت تدريسه

تحدّث، في بداية الجلسة، صاحب "القوقعة: يوميّات مُتلصِّص" (2008)، الكاتب والمعتقل السابق مصطفى خليفة، متناولاً تجربته على المستويين الإنساني والوطني، لافتاً إلى أنّ "الرواية صدرت أوّلاً بالفرنسية لأنه كان متخوّفاً عدم جرأة دُور النشر العربية على تبنّيها"، مضيفًا: "هي صرخة للتعبير عن حجم القمع الدائر داخل السجون السورية، ولتعريف الناس بذلك. لكن مع ذلك تبقى لحظة الخروج من السجن هي لحظة الولادة الجديدة".

بدوره، أشار صاحب "ناجٍ من المقصلة: ثمانية أعوام في سجن تدمر" (2020)، الكاتب والمعتقل السابق محمد برّو، إلى المسافة الفاصلة بين لحظة الألم ولحظة الكتابة، موضّحاً أنّ "تلك الذكريات القاسية لا تخرج من رأس صاحب التجربة، هي دائماً تطرق باب حاضره من خلال المقارنات بين واقعين"، كما تطرّق إلى فكرة الأمل: "في مكان رهيب وبشع مثل سجن تدمر، يصبح الأمل مجرّد مجاز لغوي، أمام لحظة راهنة مثبّتة على الأبد. مع ذلك، فأنا دخلت المعتقل وعمري 17 عاماً وقضيت فيه 13 سنة (منها ثمانية أعوام في تدمر). أنا مدين لهذه السنوات لأنها شكّلت شخصيتي بالنهاية".

"ماذا وراء هذه الجدران" (2015) عنوان رواية المعتقل السابق، الطبيب والكاتب راتب شعبو، الذي تحدّث عن 16 عاماً قضاها في سجون النظام السوري، وأثرها القاسي في نفسيته: "يكتشف الإنسان في هكذا لحظات مُرعبة أنّ لديه طاقةً لم يكُن يعلم عنها شيئاً، أمّا نقطة النجاة لأيّ سجين فهي ما يمكن تسميته بـ'الاستحباس'، بمعنى التسليم للحظتك، وعدم التفكير بما هو خارج هذه الجدران إلّا كحلم ما بعد الموت، لأنّك إن لم تستسلم وتؤمن بهذه اللحظة فستدفع الثمن، كما جرى مع كثيرين عانوا من أمراض نفسية أو حتى الجنون، لأنّهم لم يتصالحوا مع واقعهم. والاختبار الحقيقي يكمن في الفترة الأُولى من السجن، كلّ من اختلّ وفقد توازنه كان بسبب اختلاله في هذه الفترة، ومن نجا منها تابع رحلته بشكل 'طبيعي'".

ومن حضور الندوة تدخلت المعتقلة السابقة تهامة معروف، فأوضحت أنّ فترة الاعتقال القصيرة التي تعرّضت لها (عامان ونصف، بشكل غير متواصل) جعلتها لا تقارنها مع آخرين، ولكن مجموع هذه التجارب يُشكّل، برأيها، "أجزاء من قطعة بَزِل كبيرة تُبيّن حال سورية السياسي وأي وضع هي عليه، فضلاً عن أنّ وضع السجون بعد الثورة السورية عام 2011 صار أشدّ وحشيّة وأكثر انتقاماً ممّا كان عليه قبل عقود".

من جهته، لفتَ الناقد الأدبي أحمد جاسم الحسين إلى أنّ "هذه النتاجات الأدبية يمكن تصنيفها في باب السير والمذكّرات"، مشيراً إلى "أنّ الجامعات السورية ترفض تدريس مثل هذه النماذج، وعلى سبيل المثال أدب إبراهيم صموئيل الذي رفضت 'جامعة دمشق' تسجيل أطروحات عنه في مرحلة الدراسات العليا"، كما عرض لتجربته في اضطراره لحذف فصل بعنوان "القمع في القصّة القصيرة السورية" من رسالة الدكتوراه التي كان يُعدّها، وتوقّفه عن الكتابة لمدّة ثلاثة أشهر.

وأشار الحسين إلى حضور أسماء نسوية بارزة في التعبير عن تجربة السجن والقمع في سورية؛ مثل حسيبة عبد الرحمن، وروزا ياسين حسن، وسمر يزبك. وهذه المواضيع، برأيه، "تحظى بتعاطف واسع عند القرّاء". ومن ناحية الفنّيات، رأى أنّ أغلب هذه الكتابات "تنحو منحىً واقعياً في الكتابة، وتنبع أهمّيتها من قدرتها على تصوير القصّة السورية بدقّة ونقلها إلى الأجيال القادمة، بل إن كلّ النظريات الفنّية تسقط أمام حرارة هذه التجارب".

موقف
التحديثات الحية