في وقت تستفرد فيه السلطات الجزائرية ببعض ناشطي الحراك والصحافيين، مصدرةً أحكاماً بسجنهم، في عقوبةٍ لهم على المطالبة بحرية وببلد أفضل، يأتي الكتاب الجماعي "حلِمتُ بالجزائر: شهادات، قصص، سرد" (منشورات البرزخ) للتذكير بالحلم الذي خرج من أجله جزائريون وجزائريات إلى الشوارع، بدءاً من شباط/ فبراير 2019.
الكتاب الصادر حديثاً بالفرنسية، بمبادرة ودعم فرع "مؤسسة فريدرش إيبرت" الألمانية في الجزائر، يضمّ أربعة عشر نصاً لجزائريين وجزائريات من مختلف المشارب: صحافيين، وناشطين، وكتّاب، وباحثين في علم الاجتماع، وعلم نفس، وطلاب وأطباء. ولا يكتب المشاركون في العمل أحلامهم الفردية لاقتراح "ورقة طريق"، بل للتعبير بشكل حميميّ وذاتيّ عن جزائر يحلمون بها ويرغبون في رؤيتها واقعاً.
يشكّل كل واحد من هذه النصوص محاولةً للإجابة عن السؤال نفسه: "بأي جزائر تحلمون، ولماذا؟". سؤال بسيط في ظاهره، كما تقول في تمهيد الكتاب أمينة إيزروقن، مسؤولة البرامج في فرع المؤسسة في الجزائر، لكنّه سرعان ما يقود إلى أراضٍ أكثر رحابة إذا ما أخذناه على محمل الجد، دافعاً مَن يحاول الإجابة عليه إلى تجنّب العموميات والأجوبة المتعجّلة.
يضم القسم الأول من الكتاب نصوصاً قصصية، إضافة إلى قصيدة وقّعتها حبيبة جحنين تحت عنوان "أرض مجهولة". والملاحظ أن أكثر هذه النصوص، التي كتبها محمد العربي مرحوم وهاجر بالي وعتيقة بلحسن وغيرهم، تتّخذ من المستقبل القريب (عام 2034 في نص محمد العربي مرحوم، على سبيل المثال) أو البعيد نسبياً (عام 2199 في نص عتيقة بلحسن) مساحةً لها، وكأن الحاضر الجزائري يبدو أقلّ استقبالاً وخصوبةً لأحلام المشاركين.
في القسم الثاني، الذي يضمّ شهاداتٍ ونصوصاً سردية، نقف على بعض النصوص التحليلية والنقدية، كما هو حال النص الذي وقّعه الصحافي شوقي عماري حول حرية الصحافة. يقارن عماري بين واقع الإعلام الجزائري اليوم، الذي يعاني من الرقابة وفقدان الحرية، وبين واقعها المنتظر، غداً، والذي يحلم بأن يكون حرّاً وتكون زمامه لا في أيدي أصحاب المال، بل في أيدي الصحافيين أنفسهم.
وفي نصه، الذي يحمل عنوان "علينا إنقاذ المستقبل"، يتساءل الكاتب والمترجم صلاح باديس، انطلاقاً من ملاحظته لغياب الأفق والسماء في الإعلانات على طرق العاصمة الجزائر، إن كان هذا الغياب للأفق متعلقاً بصنعة الإعلام جزائرياً، أم بغياب الأفق نفسه أمام المنتجين والمستهلكين على حدّ سواء. ينتقد باديس التفات البلد الدائم إلى الماضي، ملاحظاً أن الأحلام والطموحات فيه قلما تذهب أبعد من حرب التحرير ومن "ماضيه المجيد". ويوضح أن نقده لا يتناول الماضي بحدّ ذاته، بل الماضوية التي تعتنقها الدولة، والتي تترك المستقبل عرضةً للمجهول.
من جهتها، تفضي الباحثة في علم الاجتماع خديجة بوسعيد بحلمها في أن يصبح البحث العلمي أكثر انفتاحاً وأفقيةً، وأن يتخلّص من ثقل "المسؤولين" الذي يجعلون منه بحثاً مخططاً لنتائجه بشكل مسبق. تطرح بوسعيد مسألة المراقبة ومنع الحرية وإغلاق الأفق التي طرحها بعض المشاركين، داعيةً إلى أن يأخذ البحث العلمي، وخصوصاً العلوم الإنسانية، مكانه الحقيقي في بلد يبدو في حاجة كبيرة إليه.