يواصل حلمي التوني رسم بورتريهاته النسائية على مدار أكثر من نصف قرن، والتي تشكّل عيونهن الملمح الأساسي في وجوه تعبّر عادة عن هدوء وفرح وطفولة تبتعد عن الواقع، وتهرب إلى عوالم متخيلة تبدو فيها بطلاته أقرب إلى عرائس المسرح يؤدين أدواراً مقتبسة من أساطير وحكايات شعبية.
ويحافظ الفنان المصري (1934) على خطوطه البسيطة التي تبرز جمال النساء المرسومات بلا تكلّف أو مبالغة في التفاصيل، في تأكيد على شكل من البساطة أو السذاجة أحياناً والتي تميّزها تلك الخبرة الاستثنائية في التعامل مع تقنياته وأدواته وموضوعاته التي يمزج فيها بين التراث الشعبي.
"الشمعة والسمكة" عنوان معرض التوني الذي يفتتح عند السابعة من مساء الثلاثاء، الخامس عشر من الشهر الجاري، في "غاليري بيكاسو" بالقاهرة، والذي يتواصل حتى الثاني عشر من الشهر المقبل، ويضمّ مجموعة من أعماله الجديدة.
المفردتان اللتان اختارهما عنواناً لمعرضه تمثلا جزءاً من مفردات عديدة مثل الهدهد والبيضة وزهرة اللوتس لا تغيب عن عوالمه، تضاف إليها في تجارب أخرى السمكة والنورس، وغيرهما من الرموز التي يستوحيها من جدران المعابد والمقابر الفرعونية والرسوم والأيقونات القبطية.
كما خصّص التوني معرضاً سابقاً بعنوان "السمكة"، حيث اشتمل على لوحات منها لوحة لعروسين بملابس الزفاف وكل منهما يحمل سمكة، أو امرأة تنظر من النافذة وقرطاها على هيئة سمكتين، أو امرأة تتأمل وهي تحتضن سمكة وتطير بقربها سمكة أخرى.
في معرضه الحالي، تُعرض لوحة لامرأة بعينيها العسليتين الواسعتين ونظرتها الثابتة وشعرها الأسود الفاحم المنسدل على كتفيها، متزينة بقرطين من الذهب على شكل سمكة بينما تحيط بها ثلاث زهرات حمراء اللون، حيث يحيلان إلى تلك التمائم على هيئة أسماك التي كانت تتزين فيها النساء في الحضارة المصرية القديمة حيث تتعهد بحماية من يرتديها سواء للأحياء، أو حتى للموتى لحمايتهم من المصاعب، التي يمكن أن يواجهوها في الحياة الأخرى.
تتباين تعابير النساء اللواتي يظهرن في كثير من لوحاته أقرب إلى الحزن أو الاستسلام أو حالة الانتظار بما في كلّ منها من هروب عن الواقع نحو الحلم، لكن ثمة ملمحا آخر يوحي بالصلابة والقوة ورغبتهن الشديدة وتمسّكهن بالأمل، وفي هذه المساحة الواعية من التضادّ تتكرّس الرؤية النهائية لمجمل ما يقدّمه الفنان، حيث التلقائية والعفوية تتجاوران مع سردية بصرية تستدعي معنى وجودنا صدفة في الحياة وداخل اللوحة.